إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة “ما كان وما قد يكون”

يمر الإنسان بعدة مراحل خلال مسيرة حياته، تبدأ بالطفولة البريئة، وحياة الا مسؤولية، والشقاوة المقبولة، فالمراهقة، فبداية النضج، فالنضج المبدئي، وهو مختلف السِّن أو العُمْرِ من شخص لآخر، فالاستقلالية الفكرية أو العقلية أو العملية، فالحياة الزوجية والأسرية أو مرحلة الاستقرار الذاتي والتكوين الأسري الجديد، أو مرحلة الشباب والطموح والخيال عند البعض، أو التبعية واللا مبالاة عند المدللين، ثم بلوغ الأربعين حيث تبدأ مرحلة الخبرة والحكمة والمنطق حتى الستين تقريباً، ثم يبدأ العد التنازلي لمرحلة الشيب، فالشيخوخة، فالهرم.

لكل مرحلة منها أحداثها وتجاربها ومواقفها، تختلف من شخص لآخر، وتتباين بينهم بحسب شخصيته وطريقة تربيته أو نشئته أو معرفته وعلمه وطموحه، وقد تتغير من مرحلة لأخرى، أو في مرحلة لموقف معين يمكن أن يكون لها إيجابيات أو سلبيات قد تُحدث نوعا من التعديل أو التغيير على مسيرة حياته.

       أيام الطفولة التي مرت بكل فرد منا، ذكرياتها متنوعة ومواقفها مختلفة من شخص لآخر، تحمل الكثير من ملامح البراءة والجمال، وحرية الحركة، وعدم التفكير، والخيال والأوهام، والجِدْ والهَزَلْ.

لو تَرَيَّثْتَ قليلاً عند بوابة تلك الحياة، وتسللت لبعضٍ من غرفها المختلفة الموقع والحجم، وفتحت إحدى نوافذها لرأيت ما بقي بداخلها من تلك الذكريات العتيقة، وبعضاً من المذكرات البالية أو الدفينة في باطن العقل والخيال، وستجد بينها وريقات اِصْفَرَّ لونها وبَهت لون حبر كلماتها، لا تزال موجودة على طاولة صغيرة من الخشب العتيق، أو على أحد الصناديق التي استخدمت كبديلة عن الطاولة، وأوراق أخرى بين أرفف الدواليب الخشبية القديمة ذات الدرف المخلوعة أو المكسورة أو المفقودة، وثالثة لا تزال على حافة الدرج وقد غطتها طبقات من التراب الناعم، تنتظر لحظة إزاحته عنها واللقاء بكاتبها بابتسامة شوق وحنين شديدين، بعد أن جار عليها الزمان، وغاب عنها ضوء المكان، وحجبت عنها الشمس، وانتشرت في كل مكان رائحة الغبار الرطب الممزوج برائحة الورق القديم والخشب العتيق.

تقف ناظراً إليها في سعادة وشوق، وتتنهد في مرارة مرات عديدة من الأعماق في تعجب مصحوب بالدهشة وعلامات الاستفهام.

تحتار! بأيهم تأخذ!، ومن أين تبدأ! وكيف! تقلب تلك الوريقات التي تآكل أطراف بعضٍ منها، أو طَمَسَ الزمان بعضاً من كلمات بعضها، أو غير الظلام لون أحبارها، تقلبها وكأنك تداعب رضيعاً خوفاً عليها من الضرر. تجد بينها أو بين صفحاتها صوراً عديدة وألوانا دفينة زاهية رغم عبور الزمن عليها، تجد شيئاً منها قاتم، وترى بعضاً منها متجهمة الوجه أو مقطبة الحواجب، وقد ترى قطرات دموع عتاب بعضها سعادة بعودتك، أو حزنا على فراقك.

قد تجد بينها وريقات أخرى تتخللها بعض الأحداث الجميلة والابتسامات العريضة والنظرات البريئة، وقد تجد أشياء لا تتوقعها.  

تُواصل تقليب تلك الصفحات وأنت تسترجع معها شيئاً من الماضي وكأنها شريط سينمائي يدور كعجلة مكنة سينما ذلك الزمان أمام ناظريك وفي خيالك، وداخل مشاعرك الدفينة، وفي أعماق أحاسيسك الجياشة.

تدور بك عجلة الحياة، لا تدرى للوهلة الأولى أهي حقيقة مضت بكل ما كان فيها، أم أنها مجرد خيال يسيطر على مشاعرك، وحنين عميق لماضٍ سحيق! أم أنها أوهام تجول بخاطرك، أو خواطر عابرة طرأت على بالك تجعلك تتعايش معها لحظات، تشعر خلالها بأحاسيس مختلفة ومتضاربة بين المتعة والسعادة وراحة النفس، وبين الحزن العميق لهذا للهجر الطويل والفراق القاسي.

فجأة تستيقظ من تلك الخواطر الخيالية وتعود لذاكرتك الواقعية، أو ذكرياتك الماضية مرة أخرى عبر تلك الفترة الزمنية المنقضية من حياتك، بتنهيدة عميقة، أو دمعة حزينة، أو ابتسامة عريضة، أو حركة غريبة، تفيق من غفلة التخيلات البعيدة لتجد نفسك في الحاضر بحالته.

يا ترى حُلُم! أم حقيقة! خيال! أم أوهام! شك! أم يقين! احتمالات عديدة وأفكار غير متجانسة.

الغالب منا تمر به لحظات مثلها يحاول تحجيمها أو تحجيم شيءٍ منها، أو عدم الإفصاح عنها حتى لا يُوصف بالرجعية، أو يُرمى بالهلوسة، أو يُنسب إليه الجنون، أو يُقْذَفَ بالوهم، أو يُنْعت بالتخيل! لكنها الحقيقة التي لا تُنسى وإن حاول أحد تناسيها بعض الشيء، حتى لا يتحسر على ما كان في ذلك الزمان من المتعة المتجانسة، والجمال الطبيعي، والحياء الحقيقي، والاستحياء البديهي، والحياة المجتمعية المترابطة الأطراف، المتماسكة الأيدي في السراء والضراء.

كم تسترجع الذاكرة صور بعض زملاء الطفولة، أو زملاء الحارة، أو جلساء مقاعد الدراسة في مراحلها الأربعة! وقد تجد صوراً فوتوغرافية لبعضهم، جار عليها الزمان، وبَهُت لونها من شدة الظلام لما يقارب الستين عاما.

آه! آه! آه يا زمن! ترى أين هم هؤلاء الزملاء أو الأصدقاء الآن! يا هل ترى، من منهم لا يزال على قيد الحياة بعد مرور أكثر من نصف قرن على الفراق! وإلى أين وصلوا، وكيف أصبحوا!

قد تتذكر أن أحدهم أصبح مسؤولاً في جهة ما، وآخر رجل أعمال أو خلافه، وثالث صاحب مهنة، ورابع تقاعد وبصحة جيدة، وخامس وسادس.

قد يكون أحدهم على تواصل معك بإحدى وسائل التواصل الحديثة، أو وصلتك أخبار عنه عن طريق صديق آخر، وقد يكون أحدهم يقاوم المرض، أو يتصارع مع الحياة، وقد يكون أحدهم في -رحمة الله سبحانه وتعالى-

أسئلة كثيرة تراود الخاطر وتناجي الفكر في هدوء وسكينة حتى يُسْدِلَ عليها الفجر ستاره الأبيض، أو يخيم عليها ظلام الليل وغياب البدر، فيحيطها بسكونه الهادئ.

تختبئ تلك المشاعر خافضة الرأس، وتذوب الأحاسيس منكسرة الجناح خائفة مرتعدة مختبئة بين أضلعنا، سائرة في عروقنا لتحتمي في أعماق قلوبنا المملوءة بالحنين، العامرة بالأشواق.

تعود كلما اشتاق الفؤاد لشيء من الماضي -رغم الفارق الكبير بينه وبين الحاضر- أو جَرَتْ أحداث في الحياة الحاضرة، أو حلت به حالة سبق ما يشابهها، أو حَنَّ القلب لحالة تملؤها البراءة في لحظات غمرتها السعادة النفسية، وأوقات خلت منها المسؤولية وعم فيها السرور، وامتلأت نسماتها بعبير الزهور فاتسعت الابتسامة وتقاطرت دمعات السعادة.

تلك الحياة النقية العطرة نسبة لظروفها، ترى!! هل تعود يوماً ما! وكيف يمكن ذلك! وهل لو عادت نكررها كما كانت، أم نطورها بحسب زمان وجودها! وهل يمكن للزمن أن يدور عكس عقارب الساعة يوماً ما كما نفعل بها عند إعادة ضبطها! وهل نستطيع اختيار اليوم والساعة التي نريدها منها كما نفعل بعقاربها!

هيهات! هيهات! أن يتكرر أو يتشابه شيءٌ مما فات!!! إنما هي أفكار كثيرة تتصارع داخل العقل الباطني، وتخيلات تتسابق في حُجُرَاتُ التفكير ألا إرادي.

خلجات متنوعة تتوالى على القلب، ونظراتٌ بعيدةٌ تبدو قريبةً من الفؤاد، تَحِنُّ وتَئِن بين دورة الزمان واختلاف المجتمعات، وتغير العادات، وتجاهل التقاليد، واحتمالات عديدة متوقعة لمستقبل في علم الغيب، وبين قلم حائر بين كلمات التدوين وعبارات أمانة التوثيق، عاجزاً عن إجادة وصف المشاعر، ورسم حقيقة الأحاسيس.

تظل الحقيقة التي لا مناص منها، أنه لا عودة لما مضى بما كان، ولا بأفضل مما كان، وأن الأهم الآن، هو أن نفكر دائما في مواكبة العصر، والنظر للمستقبل بأفضل مما هو عليه الآن، وأخذ العبر من الماضي، وتجاوز عثرات حاضر الزمان، ومستقبل الأيام، والكف عن النواح لما كان أو يجري أو ما قد يكون! وأن ننظر بعمق على مد البصر بعيون ثاقبة، ونفس هادئة، وقلوب مطمئنة.

نزرع الأمل في كل مكان، ونبني مستقبلاً يذخر بالأخلاق الحميدة والقيم السديدة، والتقاليد المجيدة والعادات الحسنة. يمتلئ بالسعادة النفسية، والطمأنينة القلبية، والمحبة الجماعية، والعلاقات المجتمعية الوطيدة.

نُقوي عُرا الأمن والأمان لنا ولأجيالنا القادمة، ونُوَثِّقَ عراقة تاريخ أسلافنا، ونَدْعُوَ لهم على ما قدموه لنا رغم صعوبة معيشتهم، ونُحْيِ تراثنا القديم، ونعلمه لأجيالنا ليكون لهم قاعدة قوية ودافعاً رئيسياً للمجد والعلا، وننشر أمجادنا للعالم حتى يفهمها الجاهلون بها، ونحافظ على الجديد.

نكون قدوة حسنة لأجيالنا، متمسكين بتعاليم ديننا الحنيف، ومتعلقين باليقين برب العالمين، وبمحبة نبيه الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم. 

       أستودعكم الله تعالى حتى لقاء آخر بإذنه تعالى.

دراسة “عملية الانتماء”

قد تكون عملية الانتماء عنصراً رئيسياً في تحديد العديد من النقاط الهامة في جميع شؤون الحياة.

فالانتماء للحارة أو الحي جزء مهم جداً من عملية الانتماء الوطني لقوة الترابط الشديد بينهما بحسب ما يظهر لِيِ من خلال دراساتي وقراءاتي المتنوعة المجالات.

قد تعتبر هذه دراسة تحليلية أو بحث اجتماعي ومجتمعي وثقافي ذا أهمية عالية في تصنيف العديد من الأحداث.

لم استطيع تحديد الحارة التي قد أنتمي لها، مع مراعاة أن عائلتي -ما شاء الله- كبيرة “آل جستنيه” وموزعة في مجموعات أسرية بِعِدَّة الحارات لقديمة التي كانت في مكة المكرمة[1]، بيت عريق وله تاريخ طويل، معروف بالعلم وإصلاح ذات البين والتجارة في مجالات مختلفة، ومشهورة في المملكة.

لم أعثر على قواعد معينة أو نقاط محددة تبين تفاصيل توثيق “عملية الانتماء” خلال عملية بحثي الطويل وقراءاتي المتنوعة على مدى سنوات عديدة، يُمَكِّنُها من الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تدور في رأسي، ومنها ما هو في الاستبانة المرفقة لتسهيل عملية المشاركة لمن يرغب مشكوراً. 

لقد ظهرت لي هذه الفكرة خلال عمليات التدوين والتوثيق التي أقوم بها في (مجموعة التراجم التحليلية التداخلية المشتركة) منذ عام 1439هـ، 2018م، بعد صدور الطبعة الأولى للمجلد الأول من هذه المجموعة “رجل المهمات الصعبة” ولم أستطع الإجابة على الكثير من تلك التساؤلات التي دارت بخاطري.

طرحت بعض من تلك الأسئلة كمداخلة في بعض من مجموعات الواتس آب المُشْتَرِكْ فيها، ولم أجد إجابة شافية.

كما طرحت فكرة ترقيم تسلسلي للحارات التي كانت تحتضن المسجد الحرام حتى عام 1374هـ، على كروكي يتضمنها بحسب الأولوية أو المكانة التاريخية لها، مع ذكر أسباب المسميات في ملحق خاص، وتقسيمها وتوزيعها على أساس مسمياتها، لأنه يحكي واقع ذلك الزمان ورجاله، وليس على أساس الوضع الحالي كما قد يرى البعض، لوجود اختلاف كبير بين الحالتين.

كان ذلك الطرح خلال عملية قيام بعض من الإخوة والأخوات الكرام بجهود تطوعية منظمة ومشكورة لتوثيق معلومات تخص تلك الأحياء وسكانها، والتي كانت تحتضن المسجد الحرام. لا أعلم ماذا تم بعد ذلك. 

الدراسات والأبحاث والتحليلات في جميع دول العالم في كل المجالات والتخصصات لا تقتصر على الأكاديميين وحدهم، بل هناك المفكرين والمتعمقين في القراءة وعاشقي العِلْم والتَّعَلُّم، والمبدعين والمبتكرين وغيرهم، لهم مساهمات ممتازة وادوار فاعلة، ونتائج رائعة.

لذا، أطرح هذه الموضوع أو الفكرة أو المبحث (عملية الانتماء) للدراسة والتحليل والنقاش الثري المستفيض لكل من يرغب في المشاركة من ذوي الفكر والاختصاص، امتثالا لقوله تعالى { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ*} الآية (76) سورة يوسف، وقوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا*} الآية (85) سورة الإسراء، وبهدف الوصول لتوثيق المبادئ والأسس والقواعد الرئيسية لهما على قواعد ثابته، ومعرفة مدى العلاقة التي تربطهما، وكيفية تطبيقها وتطويرها لتواكب العصور والأجيال.

لا تزال تلك الأسئلة مطروحة للدراسة والتحليل للوصول لوضع أسس وقواعد وثائقية عامة ل “عملية الانتماء” يمكن تطبيقها دون مؤثرات سلبية حتى تكتمل عملية الانتماء الوثائقي.

أتمنى أن يهتم المختصون والعاملين في هذا المجال الوثائقي الرائع بمواصلة الدراسة والتحليل، والتكرم بتدوين ما لديهم من معلومات عنه للوصول للنتائج الإيجابية المثمرة، ووضع الأسس والقواعد التي تحدد تلك الهوية.   

ملاحظات:

1-    فضلاً، تتم المراسلة والمناقشة على الخاص حتى لا نزعج الآخرين، ما لم يوافق     الموقع عليها من خلاله لتتم المنفعة وتزداد الفائدة.

2-    التكرم بإرسال أسماء المراجع، وصور لصفحاتها -إن أمكن-

3-    التكرم بتعبئة الاستبانة.

4-    تدوين الاسم ورقم الهاتف والمعلومات الشخصية اختياري.

5-    جزيل شكري وتقديري لكل من يساهم بأي معلومات حول هذا المبحث، ولكل من     يقوم بنشره في المجموعات الأخرى لتزداد المشاركة وتتسع المنفعة.

“استبانة عملية الانتماء”

تاريخ تعبئة الاستبانة: 00/00/0000هـ                           00/00/0000م

الاسم الثلاثي أو الرباعي: 000000000000000000000000000000000

المهنة/ الوظيفة/ 000000000000000000000000000000000000000

رقم الجوال:

تدوين المعلومات الشخصية اختياري.

01- كيف تكون عملية الانتماء للحارة!

02- بالولادة فقط!

03- بسنوات معينة بعدها!

04- بسنوات المعيشة فيها!

05- كم عدد سنوات المعيشة المطلوبة!

06- ما هو الحد الأدنى لسنوت المعيشة لينتمي الشخص لها!

07- كيف، ومن الذي يحد هذه السنوات!

08- ما هو المنهج المتبع لتحديد هذه السنوات!

09- هل توجد قواعد معينة متعارف عليها!

10- إن وجدت، فما هي!

11- لأيهم الأولوية إذا تنقل المرؤ لعدة حارات!

12- ما مدى تأثير ذلك على تفرع العائلة في أكثر من حارة!

13- هل سيكون الانتماء لكل فرع بحسب الحارة التي يعيش فيها!

14- أم للحارة التي يقطنها كبير تلك العائلة! وما هو المبرر!

15- هل توجد معلومات عن ذلك من أسلافنا!

16- إن وجدت، فما هي!

17- ما مدى ملاءمتها للعصر الحاضر!    

18- هل اطلعت على مراجع في هذا الشأن!

19- إن كان كذلك، فضلاً ذِكْرَها.

20- هل لك وجهة نظر معينه حول هذا المبحث!

21- إن كان كذلك، فضلاً تدوينها. 

مع جزيل الشكر.

المحكم الدولي المستشار/إبراهيم بن حسين جَسْتَنِيِّة


[1] توجد بعض الإيضاحات في كتاب “آل جستنيه وإخوتهم” لنفس المؤلف، لكن أعمال هدميات الأحياء المحيطة بالمسجد الحرام غيرت الكثير من مواقع سكن المجموعات وتفرقها لأسر صغيرة بدلاً عن أسرة كبيرة، مما يُصَعِّبُ عملية الانتماء للحارة. 

همسة ” حُقْباَتُ التَنْشِئَة”

الجزء 5/5

بعد مغادرتنا مقاعد الجامعة تطورت الحالة وأصبح كل طالب يجلس على كرسي مريح مستقل بطاولة لها دُرج أو مكان لوضع الكتب والأدوات.

في هذا الزمن، تمادينا كثيراً في تدليل الأبناء والبنات، وازداد دلال الطالب وحَظِيَ بنعم كثيرة ومميزات عديدة، القليل منهم يعرف قيمتها المعنوية والمادية، والبعض منهم في مدارس خاصة، والبعض الآخر لا يعي مدى العناء الذي تتكبده الدولة، أو ولي أمره ليهيئ له هذا الجو التعليمي ليجعل منه رجل المستقبل وأمل الوطن.

كلما تطورت حياة الترف الغير منضبط، ونال الطفل كل ما يطلبه دون عناء، أو بِسَكْبِ قليلٍ من الدموع الزائفة، أو العديد من الصرخات الكاذبة والحركات المزعجة دون أن يُرْدّعْ، كلما نقصت قيمة الشيء المقدم له، وفقد خاصيته، وضاعت أهميته فتضيع القناعة، وتذهب المصداقية، ويكثر الملل، ويطلب المزيد باستمرار مهما كان الثمن الذي سيدفعه غيره، المهم أن يحصل هو على ما يريده وفي أي وقت يريده.

وهذا أسوء أساليب التربية -من وجهة نظري- وهم أكثر أطفال هذه الأيام عقبة في مسيرة التطوير الاجتماعي والمجتمعي والعلمي والثقافي، وأصْعَبِهِم تكيفاً مع مسيرة التنمية المستدامة. 

أُهْمِلَ العقل تماماً مع وصول التكنولوجيا الحديثة وتطوراتها، والذكاء الاصطناعي سيزيد الطِّينَة بَلَّة.

تَسَارَعَ الزمن، وتَقَارَب العالم، وكَثُرَتْ المشاغل، وصُمَّتْ الآذان، وامتلأت القلوب بالهموم والأحزان، والحقد والحسد، والغِلِّ الدفين عند الكثير.

تحولت العقول لآلات وأجهزة صامطة جامدة تحركها بأصبعك لتنقلك من عالم لآخر، ومن حسبة بسيطة للبورصة العالمية وغيرها.

وبالرغم من كل تلك السلبيات الظاهرة، إلا أنه برز العديد من النوابغ من الجنسين، وظهر الكثير من المبتكرين والمبدعين، ولا يزال هناك الكثير لم يظهر بعد.

نقلة نوعية سريعة وعجيبة، تترك آثاراً سلبية عديدة لا تزال الكثير منها مخفية، وهي تنتشر كالنار في الهشيم.

لست ضد الحضارة، ولست متحاملاً على المسيرة التنموية، بل أسعى لأكون أحد عناصرها، لكنني قد أجد أن هذه النقلة النوعية السريعة في أمس الحاجة لدراسات عميقة، وتحليلات دقيقة من قبل فرق متخصصة للتخلص من سلبياتها المتنوعة، واستنباط الإيجابيات وتطبيقها، والبحث عن التطورات وتتبعها حتى تكون الفائدة أضعاف مضاعفة. 

 الحمد لله- أحرص على تعليم تلك المبادئ والقيم والعادات والتقاليد التي تعلمناها من أسلافنا، لأبنائي ونقلها لأحفادي وأحفاد أبنائي بأسلوب تربوي يتلاءم مع زمانهم، وأتمنى أن نظل نحافظ على هذا الإرث الطاهر مهما واجهتنا الصعاب، أو قاومتنا وسائل التحضر الزائفة.

كم أزداد غِبْطَةً وفخراً أنني من ذلك الجيل الذي له مشاركات عديدة، وأدوار فَعَّالَه كثيره فيما تراه من هذه الحضارة التي يعيشها من تلانا من الأجيال.

ذلك الجيل الذي ساهم في وضع الاسس والقواعد الصحيحة لمسيرة التنمية المستدامة، وله دور فاعل في الكثير من التطورات الحالية والرؤيا المستقبلية.

لقد كانت حياة من سبقنا وحياة جيلنا حياة محبة وتكافل، واحترام وتقدير، ومشاركة وجدانية بكل المعاني، ونوع من التعاطف المشترك في مسيرة الحياة.

إنما أكتبه عن ذلك المجتمع الذي عشت في جزء منه، وتعايشت مع القليل من أفراده، وما أعاصره بقدر ما تسمح به الظروف أن أدونه وأُوثِّقَه بصدق وأمانة، ما هو إلا قلقة القليل من الحقائق والوقائع عن ذلك الجيل المكافح، وأجزم بأن هناك الكثير مما نسيته، أو قد أتناساه، أو يعرفه غيري ولم يُدَوَّنْه.

قد يكون قصورٌ منا في حق أسلافنا، وتقصيرٌ من بعضنا في حق التاريخ القديم ورجاله، وخطأ جسيم في حق أبنائنا وأحفادنا لجهلهم بأمجاد أسلافهم.

تاريخ عريق، وعلم ومعلومات قيمة، وحقائق مجهولة بالنسبة للعالم، آن لها أن تظهر كالشمس الساطعة حتى يَكُفَّ الآخرون عن نعتنا بالعَالَمْ الثالث.

كَثِيرٌ من أبناء الجيل المعاصر يتجاهلون فَضَائِلَ وفَضْلَ أجيال أسلافهم، بعد فضل -الله سبحانه وتعالى علينا جميعاً- أو لا يفقهون عنه شيئا، مع أنهم السبب الرئيسي في كل ما يتنعمون به من نعم -الله سبحانه وتعالى- وهذا قصور واسع في حق أسلافنا، وتقصير كبير في توثيق عراقة تاريخنا وأصالة أمجادنا.

لذلك، من الواجب علينا أن نُدَوَّنْ أفعال أسلافنا، ونسطر تضحياتهم العديدة، وتُخَطُ محاسنهم بماء الذهب، ويُحْفَظُ تاريخهم في الصدور قبل السطور والكتب، وألا ننساهم من الدعاء وتقديم الشكر الجزيل لكل أفراده الذين شاركوا في تلك الأعمال الجليلة التي خلفوها لنا، أو وضعوا أسسها وبَنَوْ قواعدها لتكون لنا مرشداً لمستقبلنا، ومنهجاً لخططنا.

لا شك أن هناك مستويات اجتماعية ومجتمعية مختلفة عما عاصرته، أو نشأتُ بينه، لا أعرف عنها لأنني لم أعش بينها لأدون عنها، وأطمع أن يكون هناك عدة فِرَقْ عمل متكاملة من الجنسين، مخضرمة ومعاصرة متطوعة، وتتمتع بروح التعاون والمحبة، والحوار البناء، حباً في الله تعالى وتقديساً لمكة المكرمة، وتخليداً لذكرى السلف، وتذكيراً بتاريخنا العريق، تستفيد من التطورات التقنية الحديثة للتدوين والتوثيق والنشر والإعلام، وراحة بال، وإجابة على سؤال لأستاذنا الفاضل الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان -يرحمه الله- والذي قال يوماً ما [عرفنا تاريخنا القديم من الأزرقي وبعض الرحالة وغيرهم، فمن يا ترى سيكتب تاريخنا لأحفادنا]!! انتهي.

ليطمئن أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الوهاب -يرحمه الله- وأبشره بأن عشاق مكة المكرمة ومحبوها وأبنائه وتلاميذه -بمشيئة الله تعالى- سينالون هذا الشرف العظيم بتوثيق كل ما يمكن تدوينه عن تاريخ أهالي مكة وسكانها وحاراتها وبرحاتها وأزقتها التي كانت تحتضن المسجد الحرام قبل مشاريع التوسعة -جزاهم الله خير الجزاء- وتحضيرها لعرضها وإخراجها طبقاً للأسس النظامية والقواعد التنظيمية والقوانين المنظمة لذلك.

لَعَلّه يكون لمؤسسة الفرقان التي أنشأها الشيخ أحمد زكي حسن يماني -يرحمه الله- وجعل لها وقفاً يُنْفِقُ عليها، وأسس لها مجلس إدارة، ولجان متخصصة لتدقيق جميع المعلومات ورصدها وطباعتها، لعله يكون لها دور فاعل في المساهمة بدعم هذا المشروع التوثيقي الوطني بكل ما يحتاجه لإخراجه بالكيف والكم الذي يليق بمقامه.

كذلك أناشد إخواني وأخواتي من أهل المدينة المنورة وسكانها، والمحبين للمصطفى صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا نفس الشيء بالنسبة للمنطقة التي كانت تحيط بالمسجد النبوي الشريف قبل مشاريع التوسعة السعودية.

كم أتمنى أن تحظى هذين المشروعان الوطنية القيم، العريقة التاريخ، بالدعم الكامل من قبل [كرسي الملك سلمان لمركز تاريخ مكة المكرمة بجامعة أم القرى، ثم الدارة لاعتماده ومنحه الرقم الدولي (ردمك)] بعد توثيق حقوق الملكية الفكرية، ومن ثم تبني نشره وتوزيعه، أو بيع مطبوعاته بأسعار رمزية على الحجاج والمعتمرين ليدركوا مدى الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة بمشاريع التوسعة لتحقيق الراحة والطمأنينة لهم، ويتعرفوا على شيء من التاريخ العتيق للبلد الحرام والمسجد النبوي الشريف خلال العصر السعودي.

وأكثر ما أتمناه هو أن نزداد علماً وتعلماً، وأن تتضاعف معلوماتنا، وتتنوع ثقافاتنا، ويتسع نطاقها، ويتحسن مفهومها، وأن نكون أكثر ترابطاً اجتماعياً ومجتمعياً، وأقرب مودة وأخوية، وأكثر تطوراً عقلياً وفكرياً، وتمسكاً بالأخلاق الفاضلة، تلبية لأوامر -الله تعالى- ونداء البشير عليه أفضل الصلاة والتسليم، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) رواه ابن ماجة عن عبد الله بن عمر، وأن نواكب مسيرة التطورات الزمانية والمكانية المختلفة بما لا يُخِلُّ بالقواعد الرئيسية، والمبادئ الأساسية.

نسأل الله تعالى- لنا ولكم جميعا الأجر والثواب.

       نستودعكم الله حتى نلتقي في مقال آخر.

همسة ” حُقْباَتُ التَنْشِئَة”

الجزء 4/5

كذلك نتعلم الحساب ونحفظ جدول الضرب الصغير (1-10) والكبير (11-20) ونستخدم عقولنا وأقلامنا في كل العمليات الحسابية والعملية مما جعل عقولنا حاضرة، وآذاننا صاغية، وقلوبنا واعية، وأفكارنا متجددة، وطموحاتنا واسعة.

كنا نجلس أربعة طلاب في كل ماصة شبه متلاصقين في فصل أو غرفة متروسة بالطلاب، بدون مراوح ولا مكيفات والعرق يا سلام! وبعضنا يحضر معه قطعة من القماش ليمسح بها مقد الماصة من التراب أو الغبار قبل جلوسه عليها حتى لا يصبح مكان الجلوس بالثوب أسود وشكله سيئ، ثم أصبحنا نجلس كل اثنان معاً في المرحلة المتوسطة والثانوية.

تبدل الحال فكان البعض منا يحضر معه سجادة الصلاة يلف بها كتبه ليسهل حملها ونقلها ويضعها على مقعد الماصة لتحمي ثوبه وثوب زميله من العلامة السيئة[1] ويصلي عليها الظهر جماعة في المدرسة بعد الحصة الخامسة.

أنا من ذلك الجيل الذي حمل على رأسه لوح العيش وصينية الفَتُوتْ والغُرَيْبَة والمعمول والعيش باللحم الذي كان يُعجن ويُخَمَّرْ وَيُجَهَّزْ في البيت. حملته على رأسي ذهاباً وإياباً للفران في الفرن العام الذي كان موجود في المدعى قبل طلعة الراقوبة عن يسار المتجه للمعلاة، لخبزه وليكون جاهزاً لتناوله وإهداء بعضه، قبل أن تنتشر المخابز الآلية، وتكف السيدات عن عجن الخبز اليومي وبقية أنواع المعجنات البيتية اللذيذة والممتعة الأخرى. 

الجيل الذي كان يحلق رأسه بالمكنة اليدوية (0) صفر، أو بالموس عند الحلاق بنصف ريال، حتى وصلت خمسة ريال للبطران، ومن العيب تربية شعر الرأس، يسموها (تَوَلَيتَهْ) -شوفوا الواد دّهْ ما يستحي مُرَبِّ توليته- سمعة سيئة، وإذا ما حلقت رأسك، المدير يرسلك مع الفراش لأقرب حلاق من المدرسة يحلق لك على حسابه ثم يُعيدك للمدرسة وما أحد يقدر يعارضه.

الجيل الذي كان يفرح فيه الفرد منا بمشاهدة الطائرة وهي تطير مارة من فوقه أو حوله، فيلوح لها بيديه في سعادة وسرور لمشاهدتها ومُحَيِّياً رُكَّابَهَا، يشعر وكأنهم يرونه أو يسمعون هُتَافاتِه وتحياته لهم.

تخيل هذه السذاجة كيف كانت في ذلك الجيل!! وكيف أصبحت الأجيال المعاصرة!

الجيل الذي يحترم الشرطي ويحييه ويقدره ويُسَرُّ برؤيته بتلك البدلة التي يرتديها، رغم أنه قليل أو نادر منهم من يعرف القراءة أو حتى كتابة اسمه.

ننتظر الفرقة الموسيقية التي كان يقودها الضابط عم[2] طه خسيفان -يرحمه الله- وهو راكب على جواده الذي كان يرقص على أنغام تلك الموسيقى وهي تسير من مقرها بأجياد للقشاشية، بعد صلاة العصر، ننتظرها بفارغ الصبر وهي تعزف التحية الوطنية، ثم تعود أدراجها لمقرها بأجياد قبل الغروب. 

انتقلنا للمرحلة الجامعية بجامعة القاهرة، كلية الهندسة وتأقلمنا مع الحياة الاجتماعية الشاسعة البعد عن حياتنا ومجتمعنا المكي والحجازي، وعشنا فيها حياة مجتمعية جديدة ومتغيرة تماماً عن حياتنا حتى نستطيع أن نواكب الحياة العصرية في ذلك الزمان، نستحصل كل ما يمكننا من العلم والمعلومات ما يساعدنا على مواكبة العصر، ونقتني الكتب والمراجع وكل المستلزمات ونحافظ عليها كعيوننا.  

كنا نجلس في مدرج الكلية الخشبي (500) خمسمائة طالب وطالبة متجاورين وأحياناً متلاصقين لكثرة العدد، نجلس على ماصات خشبية كل (6-10) أشخاص معاً بدون مراوح ولا مكيف، والروائح يا سلام متنوعة. لا يوجد ميكرفون للمحاضر والضوضاء وحركة الطلبة والطالبات تسبب المزيد من الضجيج فلا تسمع شيئا.

المحاضر يتكلم ويكتب ويمسح السبورة حتى ينتهي موعد المحاضرة ويغادر القاعة ولا يكترث لأي شيء. في المختبر (40) طالب وطالبة واقفين، يحضر المحاضر كزائر أو ليؤنب المقصر أو المتغيب عن المختبرات السابقة ويتركنا للمعيد ليكمل معنا بقية الوقت ونحن نجري بعض التجارب المخبرية، أو نحل بعض المسائل الرياضية، أو نكمل بعض الرسومات الهندسية ولا يهمه من فهم، ومن لم يفهم فعساه ما فهم، يعيد السنة  

الشاطر إِّلِّي يقدر يجلس في الصفوف الأمامية حتى يقدر يسمع ويكتب ويفهم، والبعض يدفع مقابل مادي لمن يحجز له مكان في المقاعد الأمامية.

نُكَوِّنْ زمالات في مجموعات (2-4) ونجتمع بين المحاضرات بنات وأولاد في حديقة الأورمان -ميدان الدقي- المجاور للجامعة، نتبادل المذكرات ونتناقش في المحاضرات، ونراجع حل التمارين، ونتذاكر بعض الدروس ونحن من جنسيات وعادات وتقاليد وبيئات مختلفة، تجمعنا اللغة العربية وحب العلم.

ورغم ذلك، ترتفع بيننا روح المحبة، ويسود الوئام، ويتسع التوافق، ويبتعد الحسد، وينعدم الحقد والغيرة، تفانياً في كسب العلم والتَعَلُّم.

أما في جامعة الرياض فكان الجلوس في غرف مكيفة وشبابيك واسعة وإنارة طبيعية، على كرسي خشبي بذراع أيمن عريض ثابت أو منعطف للأمام، يوضع عليه الكتاب أو الدفتر لتكتب وتتابع المحاضر، بقية الكتب والأدوات مبعثرة تحت المقعد نفسه بدون غطاء، وقلما يزيد عدد الطلاب في المحاضرة وفي المختبر عن (35) طالب.

للطالبات فصول ومباني مستقلة عن البنين وجهاز تعليمي عن طريق الشاشات والقليل مباشر، ولهن جهاز إداري ملحق بهن، ومحظور على الطلبة الاقتراب منها.

الكتب والمراجع متوفرة في مكتبة الجامعة.

في رعاية الله حتي نلقاكم في الجزء الأخير منها.


[1] خطوط مسودة متعرجة من الأتربة داخل شبه دائرة بحسب طريقة الجلوس تمتزج بالعرق وتتشكل بحسب الحركة اللاإرادية في مؤخرة الثوب وتشكل منظر سيئ واتساخ للثوب غير لائق. وكانت تسمى “قلقه” أو البصمة السوداء.

[2] عم كلمة احترام وتقدير لمن هو أكبر منك، من العادات التي تعلمنا في طفولتنا ولا نزال نطبقها.

همسة “حُقْبَاتُ التَنْشِئَة “

الجزء 3/5

نَبَّتَ آباؤنا في قلوبنا حب العبادة -لله سبحانه وتعالى- ومحبة حبيبه صلى الله عليه وسلم، ونشر السلام، والتمسك بالأخلاق الفاضلة، والقدوة الحسنة، والقيم الحميدة، والعادات المحبذة، والتقاليد المستحسنة، ورَغَّبَوُنا في فضائلها كجانب نظري، وأردفوه بالقدوة الحسنة في الجانب التطبيقي، كالصلاة مثلاً جماعة في المسجد الحرام عندما كنا في جزء منه، وفي المنزل مع جميع أفراد الأسرة الصغير قبل الكبير بعد أن هُدِمَتْ بيوتنا المحيطة به، وبالذهاب لأحد المساجد أحياناً في الحي الذي أصبحنا فيه.

اللهم ارحمهم وأكرمهم من واسع فضلك، واحشرهم في زمرة الأولياء والصالحين، وألحقنا بهم برحمتك يا أر حم الرحمن والصلاة والسلام على خير المرسلين.

نواصل تدويننا عن الجيل الذي كنت في جزء منه. جيل المحبة والتآخي، جيل الافتخار بالكتابة والقراءة باللغة العربية الفصحى.

أعشق الكتابة بخط اليد الجميل، وكأنها حباب اللؤلؤ المصفوفة بدقة وعناية، كُنْتُ من رواد مكتبة المدرسة، وأعضاء المجلات الحائطية، والأنشطة الثقافية الإذاعية والمسرحية والرياضية، والمسابقات الشعرية في المدرسة، وبين المدارس وبعضها البعض في نهاية كل عام دراسي، حين كانت المدرسة إحدى أهم الروافد لإخراج الشباب ذوي المواهب المختلفة المجالات والمحدودة الاختصاصات لقلة تنوعها آنذاك.

تلك الأيام الجميلة كانت بداية تعلقي بالقراءة الحرة وحب الاطلاع.

معظم المدارس للأسف، أصبحت تعلم مناهج تحفيظ وتكرار دون فهم ولا إدراك، معلومات نظرية بعيدة عن التطبيقات العملية وكيفية تتابعها، وتَخْريج كثير من الطلبة البعيدين عن المتطلبات المعاصرة، والقيم الفاضلة، والعادات الحسنة، والتقاليد المحبذة.

لو طُوِّرَ المنهج التربوي السابق ليواكب العصر، لكانت الأجيال أكثر أدباً، وأفضل تأدباً، واوسع علماً وأكثر فهما، وأَشْمَلَ مَنْفِعَةً.

أغلب مدرسي هذا العصر أفقدتهم بعض الأنظمة التي تنادي بالحرية المفتوحة احترامهم، وانقص جهلهم العلمي والثقافي من تقديرهم، جعلت منهم مهزلة يَتَسَلَّى بها الطلاب سيي الأدب، وكُثْرُ هم للأسف في هذا الزمان.

لم يستشعروا بعد ما عاناه الجيل السابق أو جيل أجدادهم وآبائهم، وكيف تمكنوا من التغلب على تلك الصعاب وتذليل الكثير من العقبات ليهيئوا لهم ما هم فيه من نعم وسعادة.

كم من العناء نالهم لتحقيق أهدافهم، ورسم خططهم لمستقبل جميل ينعم به أبنائهم بدلاً عما عاصروه!

كنا نشتري الكتب وكل المستلزمات المدرسية رغم قسوة الحياة المعيشية، ونحافظ عليها من التلف، والبعض يُعطيها بعد نجاحه لطالب آخر نجح لتلك السنة ليستفيد منها، ويصرف قيمتها في شيء آخر. طالب اليوم يحصل عليها مجاناً، ويلقيها في صناديق النفايات وهو خارج من قاعة الامتحان ليس لديه وقت.

الدفاتر ننزع منها الورق المستعمل إن كان قليلاً، ونعيد استخدامها أو إعطائها لطالب محتاجها، وطالب اليوم يلقيها في صندوق النفايات حتى وإن لم يستخدم منها سوى صفحة واحدة.

كنا نستخدم المراسم والقلم الخشب البوص، ونتعلم طريقة تجهيز أو قص وبري ريشته وقطع رأسه بالزاوية المناسبة لكتابة الخط المطلوب (رقعة، نسخة، ثلث، غيرها) والسماكة المناسبة حتى لا يسيل الحبر أو يترك أثر جانبي في الحرف أو الكلمة أو النقطة أو الحركات التشكيلية لها.

نستخدم الحبر السائل أو الصيني الأسود، نشتريه على شكل قطع صغيرة نذيبها في الماء الحار ونتحكم في كثافته بالتجربة، ونضعه في قارورة (الدواية) صغيرة بغطاء محكم بعد وضع مجموعة من الخيوط الشعرية بداخلها لتتشبع بكمية من الحبر حتى لا يسيل الحبر عند غمس القلم فيه، وأثناء الكتابة، أو لا يبرطش على الورقة، قبل أن يتواجد القلم بقربة لملئها بالحبر الذي أصبح يباع جاهزاً في زجاجات صغيرة مخصصة.

كانت أفضل الأقلام الجاهزة ذات الريشة الحديدية أو المعدنية الجميلة والخط الحسن في ذلك الزمان -بحسب معلوماتي- القلم الباركر موديل (51،21) واعتقد أن وكيله كان عم معروف باجمال ودكانه في المسعى عند مدخل زقاق البلدية، أمام باب السلام الكبير تحت بيتنا، والقلم الشفرليت موديل (21، 61،51) وكيله عم صديق الميمني، دكانه في شارع فيصل من ناحية القشاشية، وتلتها أقلامها الجافة.

كانت بداية السيل لنوعها وأناقتها، ثم تلتها مراسم في شكل قلم تُبَاعُ طقم ثلاثي أو زوجي أو فردي. القليل من يقتنيها لغلو ثمنها نسبة للمستوى الاقتصادي آنذاك.

كنا نتعلم مصطلحات القرآن الكريم والمواقف وأنواعها والغُنة والشَدة والتَّنْوِين والمَدَّة وغيرها من المصطلحات والقواعد الأساسية، ونحفظ عن ظهر قلب -غيب- جزئي تبارك وعَمَّ.

كل هذا في المرحلة الابتدائية، وندرس الفقه بحسب المذهب الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي أو المالكي، والتاريخ والجغرافيا وغيرها.

تأسيس ديني ودنيوي قوي بمعلومات أولية مهمة لجميع مراحل الحياة، ننطلق بعدها للعلوم وغيرها.

نتعلم قواعد النحو والصرف في أبيات شعرية لألفية بن مالك نحفظها ونجيد تطبيقها، لا أزال أذكر منها هذا البيت:

مُعَرَّفٌ بعد إشارة بِأَلْ     #     يُعْرَبُ نَعْتاً أو بَيَاناً أو بَدَلْ

نتعلم تطبيق قواعد الإملاء والإنشاء والخط بأنواعه، والنحو والصرف والبلاغة حتى نكون قادرين على إجادة الكتابة والفصاحة اللغوية والبلاغة النحوية وحسن التعبير.

الأستاذ يراجع كل شيء لكل طالب، الخط والنحو والصرف والإملاء والتنسيق، ومكان النقطة والشَّوْلَة لا يترك أي شيء، ويعلمك الصواب، ويحاسبك على الأخطاء.

في رعاية الله حتي نلقاكم في الجزء الرابع.

همسة ” حُقْبَاتُ التَنْشِئَة[1]”

الجزء 2/4

نسير للكُتَّابْ ثم للمدرسة ذهاباً وإياباً على أقدامنا بلا توصيل ولا مرافقة الأب أو الأم أو الشغالة أو السائق، بلا خوف علينا من حرارة الشمس وشدة الصيف طوال تسعة أشهر سنة دراسية كاملة.

نتقاسم مع زملائنا اللقمة الهنية والمصروف اليومي في الفسحة المدرسية بهللات قليلة وقروش يسيرة، ونتشاور معاً في أسرارنا الطفولية وحكاياتنا اليومية، ونتشارك ضحكاتنا الطفولية البريئة.

نحمل بيدنا اللوح الخشب للكُتَّاب، ونمسح الخطأ بقطعة من القماش القديم (الخرقة) ثم أصبحنا نحمل الكُتُبْ والدفاتر للمدرسة على رؤوسنا، في سجادة ملفوفة نفرشها على مقعد الدراسة حتى لا يتسخ الثوب من الجلوس الطويل على خشبة الماصة الجافة ويعمل قَلَقَة[2] في الثوب وما تقدر تلبسه في اليوم التالي قبل غسله، وليس في شنطة آخر موديل يحملها السائق أو الخادمة، ونجلس على خشبة ماصة سداسية ورباعية الأفراد، وليس على كرسي فردي مريح وطاولة أنيقة ومكان فسيح.

دخلنا المدرسة بالمرسمة، ثم القلم الخشب والحبر الصيني ثم بالقلم الريشة، ثم الحبر السائل في قارورة محكمة مع القلم بالريشة المتغيرة بحسب نوع الخط، ولم ندخلها بقلم آخر موضة، ولا بالهاتف الجوال والآيباد. استعملنا الخرقة كممسحة للأحرف والكلمات الخطأ، وللسبورة.

لم نشكو يوماً من طول المنهج الدراسي، ولا من كثرة الواجبات المنزلية، أو تكرار كتابتها، ولا من شدة الحر وتساقط العرق على وجوهنا ونحن في الفصل، استخدمت الدفتر والمروحة الخصف اليدوية للتهوية وتجفيف العرق، وليس في مكيف على أعلى درجة البرودة.

لم نقاطع المدرس، ولم نرمه بالطباشير أو نستهزئ به، ولم نتذمر من طول الحصة أو الخروج من مادة الدرس لمادة أخرى، بل نقدره ونحبه، وإن قسى علينا، ونُقَبِّلُ رأسه وأحياناً يده، ونُصْغي إليه باهتمام وعناية، ونستوعب منه كل حرف يقوله بتركيز شديد، وفهم عميق.

استخدمنا الخرقة ثم الكيس المحشي بالخروق ثم قطعة من الإسفنج لمسح الكتابة بالطباشير الأبيض والملون من على السبورة. الحصة ليست مادة واحدة، بل تربية مجتمعية وعلم ومعرفة وتبادل محبة.

أنا من الجيل الذي استخدم عتبة المجلس أو البسطة كطاولة أو مكتب للمذاكرة، ثم استبدلتها بتنكة القاز وهورية الحماط، قبل أن يكون عندي مكتب أنيق وكرسي مريح.

قرأت وكتبت على ضوء اللمبة التنك والقمرية ثم الفانوس والإتريك، وكتبت بالمرسمة ثم بالقلم الخشبي والحبر الصيني السائل قبل وصول القلم الريش، ثم القلم السائل ثم الجاف، المهم أن نتعلم ونفهم وندرك ونطبق بعلم وفهم واحترافية. 

لا أعتقد أن أحداً من أقراني نجا من العُقوبة في الفصل أو خارجه أو في الإدارة بالوقوف على قدم واحدة، أو القَرْمَعَة على الرأس، أو قرصة الأذن، أو فرص الأصبعين بين المرسمة، أو شحطتين من العصاية أو الخيزرانة، أو عَلْقَتْ السقا، أو القرمعة على خلف اليد بحافة المسطرة، أو علقة في الإحرام أو الفلكة، أو الحرمان من الفسحة.

ليس انتقاماً ولا ظلماً من المدرس للطالب، لأنه لن يستفيد لشخصه شيئاً من معاقبة الطالب، ولن يخسر شيئاً لنفسه إن تركه دون أن يعاقبه على الخطأ، وإنما العقاب لِمَصْلِحَتْ وَحَيَاتْ الطالب المستقبلية، والتي أخرجت أجيالاً يُفْتَخَرُ بها في شتى المجالات.

ورغم ذلك، لا أحد يستطيع أن يشكو المدرس لوالده حتى لا ينالَ عقاباً أشد، لأنه مقتنع بأن المدرس ليست له أي مصلحة شخصية من معاقبة ابنه، بل يعاقبه على الخطأ حتى لا يكرره، ويعلمه الصواب حتى يكون أهلاً للمسؤولية والأمانة التي ستناط به يوماً ما، وقد كان ذلك ولله الحمد.

لم يَسْتَذْكِروا لنا أولياء أمورنا دروسنا، ولم يكتبوا لنا واجباتنا المدرسية، بل جعلونا نتعلم الاعتماد على أنفسنا تحت مراقبتهم، وإرشادات المدرسة والمدرس. جيل أكتب القطعة عشرة مرات، وإذا أخطأت تعيدها عشرين مرة، وإذا ما كتبتها ممكن تعاقب بالضرب والوقوف طول الحصة على قدم واحدة، أو وقوفك عند باب الفصل من الخارج حتى يشوفوك كل طلاب المدرسة والمدرسين وممكن المدير يمر ويشوفك، وعندها يا ويليك.

حفظنا جدول الضرب الصغير والكبير من الغلاف الخلفي للدفتر، وتعلمنا الكثير من الأمثلة وعبارات الحكم المكتوبة أيضاً على الغلاف الأمامي أو الخلفي له، أو في ساحة المدرسة.

أتقنا فهم الجدول الكيميائي، وحفظنا أسماء ومصطلحات وتقسيم عناصره ومحتوياتها، وتعلمنا طريقة تطبيق استخدام جدول اللوغرثمات الرياضي.

كنا نحل المسائل الرياضية على السبورة أمام الطلبة والمدرس يراقبنا، لضمان عدم غِشِّها، والتأكد من فَهْمَكْ للمادة وقدرتك على تحليل المشكلة، وليس حِفْظَكْ للطريقة، وتحضيرك للخَطَاَبَة في المستقبل.

كنا ننجح بدون دروس تقوية ولا مدرس خصوصي، واختبار في كامل المنهج من الجلدة للجلدة، وبدون أي بدائل أو خيارات بالإضافة للمعلومات العامة.

أترككم في رعاية الله حتي نلقاكم بمشيئة الرحمن في الجزء الثالث.


[1] الصحيح (حُقْباتُ التَّنْشِئَة) وليست (حُقْبَتْ التَّنْشِئَة). شكراً لأخي الكريم على هذا التصحيح اللغوي. -جَلَّ من لا يَسْهُو-

[2] القَلَقَة هي البقعة أو اختلاف اللون المؤثر والدال على عدم النظافة. 


همسة “حُقْبَتْ التَنْشِئَة[1]”

الجزء 1/4

بيوت مكة المكرمة العريقة، وخاصة التي كانت تحيط بالمسجد الحرام قبل عمليات التوسعة، توارث فيها الأبناء والأحفاد العلم والمحبة والتسامح، وتميزت تلك البيوت بأهميتها التاريخية والثقافية والاجتماعية، لما تحمله من صدى السنين، وروائع الذكريات الجميلة، وبهجتْ الأشجان الممتعة، خَرَّجَتْ العديد من العلماء والفقهاء والشخصيات المرموقة والمثقفين والأدباء والشعراء وغيرهم، الذين كان لهم عظيم الأثر في مسيرة التطورات المعاصرة، وخلفوا أجيالاً تستطيع أن تواكب مسيرة الحياة والقدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحقيق المزيد من الأهداف والطموحات.

في تلك الحقبة القديمة الماضية عشنا واقعاً ملموساً، وشاهدنا أمام أعيننا رجالاً كُثْرٌ من شتى الجنسيات ومختلف اللغات لم ينالوا الشهادات العليا، ولم يجلسوا على مقاعد مدرجات القاعات الجامعية، ولكنهم أسلموا للواحد الأحد، وأتقنوا اللغة العربية، درسوا على أيدي مدرسين علماء عن علم وجدارة في شتى العلوم الدينية واللغوية والنحو والصرفوبعض الدنيوية.  تخرجوا من مدرسة الحب والنقاء، وطلب العلم بالرحيل والترحال من بلد لآخر رغم مشقة السفر وعناء المسيرة في ذاك الزمان. امتلأت نفوسهم صفاءً وورعاً، وعقولهم علما وفهما، ونفوسهم محبة وصفاءً.

استقر ببعضهم المقام في مكة المكرمة -مهبط الوحي ومنبع الرسالة السماوية- توطدَّت علاقتهم بالمجتمع المكي، وتكاتفت أيديهم، وتقاربت نفوسهم، فَعَلَّمُوا وتَعَلَّموا، وَدَرَسُوا وتدارسوا وَدَرَّسُوا، وكونوا مجتمعاً متجانساً متحداً ومتحاباً ومضحياً ومتسامحاً، يحملون نفوساً هادئة مسالمة، وروحًا متواضعة كلها شغف وحب، لهم من السلوك المثالي العام والخاص ما لا يمحوه الزمن، ويبقى شعاعاً يضيئ التاريخ.

تفانوا في نشر العلم إلى جانب العمل حتى لا يكونوا عالة على غيرهم، وبعضهم تفانا في خدمة ضيوف بيت الله الحرام، فنالوا الشرف العظيم واُخْتُصُّوا بإحدى المزايا الخمس المنفردة بهم، وخلفوا أجيالاً أمثالهم، وغرسوها في نفوس أحفادهم ليواصلوا مسيرة شرف الخدمة والمحافظة على تلك المنزلة الرفيعة التي أنعم بها صاحب الفضل سبحانه وتعالى عليهم.

تغيرت الأجيال، واختلف الزمان، ولم يعد لهؤلاء الأحفاد نصيب من تلك المزايا والمنزلة الرفيعة. هي طبيعة الحياة، تغيرات ومتغيرات، وأجيالاً تتوالى تعاصر زمانها، وتؤدي أدوارها.

سيرة وترجمة وقراءة حياة مثل هذه الشخصيات من الرجال والنساء لها قيمة معنوية كبيرة، وأهداف عديدة، وسجل تاريخي عتيق، وحقائق كثيرة مخفية يجهلها الكثير في هذا العالم الفسيح، ويغيب تاريخهم عن الأجيال الحاضرة وقد تنساها الأجيال القادمة، إذا لم نحافظ عليها ونوثقها ونورثها لهم، حتى وإن تغيرت معالمها الحقيقية، أو تحولت مسمياتها، أو تبدلت مفاهيمها.

نَشَأت خلال لحظات من تلك الأيام الخوالي بين أجداي وقليل من جيلهم وجيل الوالد والجيل الذي تلاه -أربعة أجيال مختلفة الآراء، متفاوتة المفاهيم، متنوعة الثقافات، متحدة الطموحات، متشابكة الأيدي- بكل ما كان فيها من مفارقات اجتماعية ومجتمعية نوعاً ما، تملؤها ذكريات جميلة، ويعيش فيها مجتمع متكاتف، وتسير بها حياة طبيعية، وتكافل مجتمعي عجيب وبسيط.

عَلِمْتُ الكثير، وهو قِلَّةُ القليل من العلم والمعرفة، وتَعَلَّمْتُ أشياءً عديدة من أجدادي ووالديَّ وأحبابهم وجيرانهم وأساتذتي وغيرهم -يرحمهم الله جميعاً- ولا أزال لا أجد حرجاً ولا عيباً من أن أتعلم المزيد بنفس راضية وقناعة تامة من أيِّ شخص كان سنه أو حالته، وأُقِرُّ بعدم علمي أو عدم معرفتي لما أجهله دون إحراج ولا حرج.

هكذا تعلمنا بالمحبة والحنان، بالأدب والاحترام، بالتآخي والتعاون المنتشر في غالبية المجتمع الحجازي القديم في ذلك الزمان، مع وجود العقاب والحرمان لتحقيق العِلْمِ والفهم وحسن الإدراك والأمن والسلام، وليس للانتقام، ولا أخاله إلا كذلك لمعظم السكان رغم مرور الأيام، واختلاف الأجيال والزمان، ولا يخلو من المبتعدين عن ذلك.

هذه البيئة التي نشأنا فيها، وهذا المجتمع الذي كنا نعيش فيه، وهذه بعض من التقاليد الحسنة، والعادات المستحسنة، والمفاهيم الجميلة التي كانت ديدن الغالبية من طبقات أفراد ذلك المجتمع الحجازي القديم على اختلاف جنسياته ولغاته وعاداته وتقاليده التي انصهرت في بوتقة واحدة، وأبرزت حياة المحبة المشتركة لعصور بعيدة.

نحن من ذلك الجيل الذي لا يزال يحمل في قلبة محبة عظيمة للوالدين وتقدير كبير لهما. ذاك الجيل القديم، جيل المحبة والتسامح، والتآخي والصفح والمودة، نَبِيتُ وننسى زلات وهفوات بعضنا، ونستيقظ على الابتسامة والصلاة على الحبيب، ونسير متشابكي الأيدي.

للمعلم أو المدرس هيبة كبيرة واحترام شديد وتقدير عظيم، وللعِشْرَة قواعد وتقدير منظم، وللجار احترام وتفضيل. نشأت في ذلك الجيل وترعرعت بين قلوب رجاله ووعطف وحنان سيداته، جزاهم الله عنا كل خير وأحسن إليهم وجعل جنة الفردوس مثواهم، اللهم آمين.

في رعاية الله حتي نلقاكم في الجزء الثاني.


[1] حُقْبَتْ التَنْشِئَة عنوان لموضوع مدون بالصور التوضيحية في الفصل السادس من المجلد الثاني “الرحيل للماضي” من مجلدات “مجموعة التراجم التحليلية التداخلية المشتركة”

همسة “عِبْرَة”

القصص التي تجري في الحياة كثيرة ومتنوعة، والعاقل من يحرص على أن يتعلم منها بقدر ما يستطيع، وأن يسعى لاستخلاص العِبَرِ ويستفيد منها، ويقوم بنشرها ليستفيد منها الآخرون، فهي دروس مجانية من تجارب واقعية، وقد يتخلل بعضُها شيءٌ من الخيال لإكمال الدور.

يُحْكَي عن أحدهم قائلا [كان والدي يرحمه الله- يتتبع حركاتي وخطواتي ويوجهني للصواب. كنت في المرحلة الابتدائية، أتذمر من توجيهاته التي لا تنقطع، واتمتم كثيراً بيني وبين نفسي بكلمات غير لائقة، وأتحامل في داخلي عليه، مما يدفعني للمزيد من الأخطاء، لكنني في النهاية أنفذ مرغماً كل توجيهاته.

كنت أعتبرها نوعا من الإذلال والمهانة وحب السيطرة، خاصة عندما أقارنها بتصرفات بعض زملائي من ومع آبائهم وإخوانهم الذين لا يعرفون عن أبنائهم شيئا، ولا يجالسوهم، وقلما يتحدثون معهم. كنت أعتبرها ميزة جيدة وحرية منفردة.

كان يوقظني من أحلى نومي لأداء صلاة الفجر قبل الشروق وقرآءتْ صفحة من القرآن، ويحثني على النوم المبكر، وإطفاء النور وغيرها، وعندما أقول له لم أنته من المذاكرة، يقول، لا تنم بعد صلاة الفجر وأكمل مذاكرتك، يبارك الله لك في كل شيء، وتحصد الكثير.

زملائي يعودون من المدرسة وينامون حتى الغروب، ويبدؤون المذاكرة بعد العِشَاء، والبعض منهم يواصل حتى يعود من المدرسة. الليل نهار، والنهار ليل. قلما يجلسون بين أهلهم ويتقاسمون الطعام بينهم ويتبادون الكلام، أو يسمعون شيئاً مفيداً أو توجيهاً حكيما، كل واحد يفعل ما يشاء.

يلومني لأنني غير مرتب في كل شيء، وابعثر الأشياء وأهملها، وأنام دون أن أغلق ضوء الغرفة الشديد، واترك أنوار الدرج والأسياب مضاءة طوال الليل بدون سبب، وأترك الماء ينساب من البزبوز دون فائدة منه وأنا أتوضأ أو أتسوك أو أغتسل، وعندما أنادي على أخي أو أختي الصغيرة لتحضر لي كأس ماء أو فنجان الشاي، أو أي شيء، يقول لي، قم بنفسك، وتعود على الاعتماد على نفسك، وكن طيب القلب عطوفاً على إخوتك، خاصة وأنك أكبرهم وستكون المسؤول عنهم يوماً ما، واحرص على توفير حياة كريمة لهم دون أن تَمُنً عليهم أو تتعالى عليهم، أو على غيرهم، ولا تغتر بنفسك فالغرور طريق الانزلاق. 

لم أكد أنتهي من هذا الكابوس في مرحلة المدرسة، حتى حل كابوس أكبر وأشد في مرحلة الجامعة. كان أكثر متابعة لخطواتي رغم عمله الوظيفي الصعب، وقلة المادة نسبة لحجم العائلة والظروف الاجتماعية.

كان يعرف مواعيد محاضراتي كلها، فإذا تأخرت ادخل في موال كبير وأسئلة طويلة، ولا أستطيع الكذب حتى لا أنال أشد العقاب. كان يحب الصدق والصراحة، ويتجاوز عن الكثير من الأخطاء، والويل لي إن حاولت الكذب أو المماطلة.

كان يرحمه الله أباً شديداً قاسياً في المنهج التربوي، مرن في التعامل، حنون ومتفاهم، لكنني كنت مراهقاً جاهلاً مغروراً، أقارن بين حالتي وحالة زملائي، وكيف أنهم يسرحون ويمرحون دون رقيب ولا رشيد ولا حساب ولا سؤال!

كنت أنتظر تخرجي من الجامعة بفارغ الصبر والحصول على عمل أو وظيفة تغنيني عن هذا الذل والتحكم وحب السيطرة، وأنال بها حريتي المسلوبة، فأبذل جهوداً مضاعفة.

وأخيراً تخرجت من الجامعة بدرجة جيد جداً، لكنها لم تشفع لي، ولم تفتح المجال أمامي لأحظى بعمل يجلب لي دخلاً خاصاً يغنيني عن المصروف الذي اتقاضاه من أبي، وأدفع مقابله هذا الذل والعناء والألم النفسي والعصبي.

لم تكن الشهادة الجامعية الطريق المُنْقِذ كما كنت أطمح أو أعتقد. لا أزال في منزل والدي دون عمل، ولا أستطيع الخروج إلا بإذن، والعودة في موعد محدد، والويل لي إن تأخرت. كل يوم أسمع فيه نفس الأسطوانة، وتدور في رأسي نفس الأفكار، وتتردد على لساني نفس العبارات وأكثر.

ترى يا ربي!! متى سأتخلص من هذا الذل والتحكم والسيطرة!!! متى أمتلك حريتي دون أن يستجوبني أو يحاسبني أو يوبخني أحد!! لقد مللت هذه الحياة، فإلى متى أظل أتحمل!! هل أترك البيت وأرحل! ولكن إلى أين أرحل! وكيف أعيش! وهل أُفَرِّط في أمي التي ربتني وأخواني الصغار!!     

مر عام على تخرجي الجامعي، لم أترك باباً إلا وطرقته بحثاً عن عمل ينقذني مما أنا فيه، لكنني لم أحصل عليه، حتى جاء ذلك اليوم، ولا أعلم بم أصفه! وكيف اسميه! وفي أي مكان أضعه!

كان يوماً عجيباً بكل ما احتواه من أحداث منذ بدايتها حتى نهايتها. بدأ في الصباح الباكر، أخي الأصغر يناديني قائلاً (شخص على الهاتف يسأل عنك). أخذت السماعة قائلاً (السلام عليكم، نعم، المتحدث مجيباً، وعليكم السلام، أنت حسن، نعم تعال الآن توجد لك مقابلة للتوظيف، سجل العنوان.

كانت مفاجأة مذهلة، سجلت العنوان وبدلت ملابسي وأخبرت والدتي، وقبل أن أخرج اتصلت بوالدي بالهاتف وأخبرته، فلم يضيع الفرصة ليعيد عليً نفس الأسطوانة، ويذكرني بكل الدروس اليومية، وأردف قائلاً (توكل على الله، وبالتوفيق بإذن الله). خرجت متوجها للعنوان وأنا طفشان من كثرة تكرار نفس الموال المزعج ومتمنياً أن أحصل على الوظيفة حتى ارتاح من سماع هذه الأسطوانة اليومية المزعجة.

ذهبت للعنوان، وإذا هو عبارة عن مبنى كبير متعدد الأدوار وحوله حديقة جميلة وقد غمرتها المياه المنسابة، ونافورة صغيرة طفحت مياهها فأغرقت ما حولها، وإضاءة ملونة جميلة لا تزال مشتعلة في وضح النهار، وأدوات الزراعة والنظافة مبعثرة في كل مكان وكأنها في صراع مع بعضها البعض.

توقفت مذهولاً حائراً ومحتارا، أقلب نظري فيما أرى، وأردد مع نفسي، ما هذه الفوضى! وهل ما أراه حقيقة أم خيال! كيف يحدث مثل هذا في مكان كهذا! وماذا أفعل!!   لا أدرى كم مر بي من الوقت قبل أن أجد نفسي مندفعاً للبحث عن صنبور مياه الحديقة وإحكام غلقه، وإلى النافورة وفصل التيار عنها ليتوقف طفح مائها، وإلى مفاتيح الإنارة وفصلها، وإلى أدوات الزراعة والنظافة المبعثرة وجمعها في أحد الأركان، ثم غسلت يدي، وتوجهت نحو البوابة الرئيسية للمبنى، أسال عن اسم الشخص الذي اتصل بي هاتفياً (ع).

دخلت صالة واسعة بها أكثر من عشرة أشخاص منتظرين، وفي صدرها مكتب وموظف، تقدمت إليه وسألته عن السيد (ع)، سألني، هل قدمت لوظيفة عندنا، فأجبته نعم والسيد (ع) طلبني للمقابلة اليوم. أجاب، تفضل استريح حتى نناديك للمقابلة معه.

جلست مع الحضور، وعرفت أنهم جميعا متقدمين لنفس الوظيفة، أعرف بعضهم، وبعضهم لديه شهادات أعلى من شهادتي. جلست استلطف الله في نفسي.

أحسست بأن الوقت طال ولم يُسْتَدْعَ أحد من الحضور منذ حضورهم في الصباح الباكر وحتى تواجدي. فجأة نُودِيَّ عليً، وهنا كانت دهشتي، أنا أخر الحضور وأول المدعوين للمقابلة، شيء عجيب!!

دخلت على غرفة واسعة بها مكتب كبير وطاولة اجتماعات حولها خمسة أشخاص، على رأسها شخص وقور يكبرهم سناً الشيخ (أ) -عرفت اسمه لاحقاً- طرحت السلام، فردوا جميعاً السلام، ثم بادرني الشيخ (أ) قائلاً ألف مبروك يا إبني حسن، لقد تم قبولك في هذه الوظيفة رغم مسؤوليتها الجسيمة، تفضل اجلس مشيراً للكرسي الخالي.      وقفت مذهولاً مما أسمع وأرى، ظننت نفسي أتخيل ذلك، لكنه أعادني لوعي بتكرار ما قال، فجلست على طرف الكرسي لأستوعب مرة أخرى، هل ما أراه وأسمعه حقيقة، أم وهم!! ثم اردف الشيخ (أ) قائلاً، الأستاذ (د) مشيراً على أحدهم سيرشدك لمكتبك ويشرح لك التفاصيل، اعتبر نفسك من الآن مباشر عملك، على بركة الله، وأشار بيده، تفضلوا لأعمالكم.  

وقف الجميع وتوجهوا للخروج من مكتبه، وأنا في ذهول تام، أعادني منه الأستاذ (د) بقوله تفضل معي يا أخ حسن وأخذ بيدي يوقفني.  

خرجنا للصالة، الأستاذ (د) يبلغ الأخ الموجود على المكتب بصرف الحضور، وإبلاغهم أن الوظيفة لم تعد شاغرة، متمنياً لهم التوفيق في مناسبات أخرى، وصحبني لغرفة في صدرها مكتب كبير وأمامه طقم كنب وملحقاته من الأثاث الجيد وجهاز كمبيوتر وشاشة كبيرة، قائلاً، تفضل هذا مكتبك، مشيرا لي بالجلوس خلف المكتب، وجلس هو على الكنبة المجاورة للمكتب، وقبل أن أتكلم بشيء، قال الشيخ مبسوط جداً منك لحسن تصرفك، فكن قدر المسؤولية، هو وضعك في مكان مهم أعلى من الوظيفة التي كانت معلنه، أنا مدير عام الموارد البشرية، ومكتبي في الدور الثاني وتحويلته (212) إذا احتجت شيء كلمني، ووقف للخروج فأوقفته متعجباً!!

لكن كيف الشيخ مبسوط مني وهو لا يعرفني ولم تَحْدُثْ أي مقابلة كالمعتاد، فأخذ الريموت من على المكتب وفتح الشاشة وحولها لقناة معينة أظهرت كل تصرفاتي قبل دخولي للمبنى. تعجبت كثيراً مما رأيت، وأردفت قائلاً، وما علاقته بالوظيفة والمنصب! فأجاب، الشيخ يهتم أكثر بالتربية وطريقة الحياة التي يعيشها الشخص بين أهله، وطريقة تفكيره، والمشاعر والأحاسيس التي تظهر كردود فعل لما يحدث حوله، وكيف تنعكس على مصلحة الشركة، وهذا ما لمسه في الفيلم من خلال كمرة المراقبة الموضوعة خصيصاً لهذا الأمر، كل الذين دخلوا قبلك نظروا لما كان دون أن يفعلوا شيء، وهذا يدل على عدم الاهتمام بما يجري حولهم، والإهمال لما قد ينتج من أخطاء أعمالهم أو أعمال من يعملون تحت إدارتهم.

الشيخ (أ) له فلسفة عجيبة في العمل وطريقة التعامل مع العاملين معه على اختلاف مستوياتهم العلمية والوظيفية، وأعتقد أنك نجحت عنده بتقدير ممتاز، فحافظ على مكانتك تحصل على المزيد، تمنياتي لك بالتوفيق، ثم توجه خارجا من الغرفة فأوقفته، قائلاً، ولكنك لم تشرح لي مهام عملي وتعرفني على بقية أفراد الشركة. فأجابني قائلاً، تصفح الملف الذي أمامك على المكتب وستعرف كل شيء، ونلتقي بعد الصلاة في مكتبي.

مهما قلت، ومهما شرحت، فلن أستطيع وصف حالتي وردود أفعال الموقف في نفسيتي، وعقلي الذي استرجع كل نصائح والدي وتذكيري اليومي بهذه الأشياء التي كنت أعتبرها ذلاً وإهانة وتحكم، وَأُتَمْتِمُ غاضباً بكلمات كثيرة، وأحدث نفسي متضجراً، كيف أنها كانت السبب الرئيسي -بعد رضاء الله تعالى ثم الوالدين- في حصولي على هذا المنصب الرفيع ومحبة الشيخ (أ) لي دون سابق معرفة، ولا وساطة ولا شهادة عالية، ولا خبرة عملية!  

مضى بي الوقت اتعرف على أعمال الشركة والموظفين والإدارات الموجودة وغيرها، والتقيت بالأستاذ (د) وعرفني على مدراء الأقسام الأخرى، وتناقشنا في بعض الأمور. صلينا العصر جماعة في الشركة ثم بدأت عملية الانصراف.

خرجت وأنا لا أكاد أصدق نفسي من شدة السعادة والخجل من أفعالي وتصرفاتي السرية السخفة نحو والدي، أحدث نفسي، كيف سأخبر أبي! وكيف سأشكره واعتذر منه! خواطر كثيرة كانت تدور بخاطري طوال الطريق من الشركة حتى وصلت البيت.

يا إلهي!! لم كل هؤلاء الجيران مجتمعون!! بعض من الأهل والأقارب موجودين، ترى! ماذا حدث!!!

وفجأة، لم أكد أتنبه لما أراه، وإذا بالموجودين يتوافدون علي تباعاً يعزونني وأنا في ذهول تام، لا أعرف شيئاً، ولم أفهم ماذا حدث، لم أتمكن من الدخول للوالدة لأن البيت يضج بالسيدات، أين والدي! ولم كل هذا النواح!!!

إخواني الصغار يهرعون إلي في نحيب وألم، قائلين مات أبانا وتركنا عندك أمانة!! مات أباناً وتركنا عندك أمانة!! هكذا قال عندما أحضروه من المستشفى قبل أن يغمض عينيه ويسلم روحه لله تعالى.

يا إلهي ما هذا الذي يجري!! هل أنا في حُلُمٍ!! أم أنه خيال!! هل أنا بكامل الوعي وما أراه وأسمعه حقيقة أم وهم!!

سلمت عليه بعد صلاة الفجر، وقبلت يده ويدي والدتي، وفطرنا معاً قبل أن يخرج لعمله، وتحدثت معه على الهاتف قبل أن أخرج للمقابلة، كرر علي نفس الموال، ثم أردف قائلا (توكل على الله، وبالتوفيق بإذن الله) وكنت مُتَضَجِّراً جداً وأقول في نفسي، متى أخلص من هذا الموال اليومي!! والآن رجعت لأشكره وأبشره بحصولي على وظيفة جيدة بسب دعواته والموال الذي كان يزعجني، وأعتذر له، وأسأله أن يشاركني الفرحة، فلم أجده في انتظاري كالعادة!!  

كم هي صدمة قوية، وآلام عميقة، وخسارة جسيمة، ومسؤولية عظيمة!! 

سبحان الله- لم يفرح والدي بهذه اللحظة السعيدة، ولم أتمتع بسعادتها. لم أجده لأقبل يديه وقدميه وأبكي على صدره معتذراً بين قدميه، ليغفر لي سوء فهمي، ويتجاوز عن جهلي، ويصفح عن تمتمتي وتذمري المخفي.

لم أجده لأشكره على كل ما فعله حتى أوصلني لهذه المنزلة، وعلمني الأخلاق الفاضلة، ووضعني على طريق الصواب. تركني ورحل قبل أن أقدم له على الأقل بشرى واحدة من ثمرة كفاحه، وحصاد حياته، وثروة مستقبله.

يرحمك الله- أيها الأب الفاضل، والمعلم الجليل، والقدوة الحسنة ويمتعك بنعيم الجنان أنت ووالدتي العزيزة وإخواني وجميع أحبابي، والحمد لله على ما يعطي، وما يمنع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم] انتهى.

تمعن يا أخي في هذه الحكاية الهادفة، كن القدوة الحسنة، وافهم معانيها جيداً، واستوعب أهدافها بِرَوِيَّة، وأعمل بمقتضاها بدقة وعناية، وحقق مرتجاها قبل أن يمضي بك الزمان وأنت لاهٍ عنهما، منشغل أو متشاغل بأمور الدنيا، أو منصرف عنهما بحياتك الخاصة حتى لا تخسر الدارين.

اطلب الدعاء منهما، ولا تتذمر من أفعالهما، وإن كانت غريبة بالنسبة لك، فقد تفهمها يوماً ما، وإن كانا أو كان أحدهما ضعيفاً أو عاجزاً فكُنْ كظلهما ولا تتركهما للخدم فأنت أحق الناس بخدمتهم ورعايتهم، وإن كانا بين يدي الحي القيوم فأكثر الدعاء لهما، ولا تتوانى عن زيارتهما في القبور والترحم عليهما. 

أشركهما في كل صدقة تجريها، وأشرك أبنائك وزوجتك، وسيبارك الله تعالى لك في كل شيء ويفتح لك أبواباً كثيرة.

تأكد أن ما تقدمه لهما، ستجده في حياتك وبعد مماتك، فكن حرصاً على كَسْبِ رضاهما قبل فوات الأوان، ولا تجعل للندم على ما كان مكان.

تذكر قوله تعالى {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) سورة البقرة.

وقوله تعالى {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا*} (24) سورة الإسراء.

دراسة “المخيمات المتعددة الأدوار” 2

جزيل شكري وتقديري لجميع الإخوة والأخوات الذين دونوا مداخلاتهم على مقالتي السابقة دراسة مشروع “المخيمات المتعددة الأدوار” واستبدالها بفكرة مشروع “الحي النموذجي لمشعر منى، أو مدينة مشعر منى” سواء أكان ذلك في الموقع أم على الخاص.

في هذه المقالة الثانية حول المخيمات والحل البديل لها في مشعر منى، أود إضافة بعض النقاط في عجالة سريعة:  

أولاً: أوكد لكم أنه ليس المهم بالنسبة لي ما إذا كانت الفكرة قد تم طرحها قبل مقالتي السابقة أم لا! سواء أكانت بنفس المنهج أو مختلف، إنما الأهم للجميع هو أن تجد الفكرة العامة للمشروع قلباً يرعاها، وعقولاً تطورها، وأيدٍ مخلصةٍ تنفذها، وأرواحاً حساسةً تتبناها وتتكفل بتشغيلها وصيانتها وتطويرها لتواكب المكان والزمان.

ثانياً: فكرة هذا المشروع، سبق أن طرحناها بعد أول أكبر حريق نشب في مشعر منى عام 1395هـ، (1975م) -بحسب ما أتذكر- وتشرفت مع فريق العمل بمؤسسة والدي حسين جستنيه -يرحمه الله- والتي كنت أديرها، بالمشاركة مع بقية الفرق الأخرى التي ساهمت في مكافحة ذلك الحريق الهائل، وإخلاء الموقع والمحافظة على سلامة الأرواح والممتلكات، وتأمين الإضاءة اللازمة للمكان باستخدام الصواري الكاشفة المتنقلة والتابعة لأمانة العاصمة، ومراقبته على مدى (36) ساعة متواصلة لضمان عدم وجود نار خامدة تحت الرماد.

ثالثاً: بدأت عملية فرض قيود وتحفظ على عدم استخدام أنابيب الغاز على اختلاف مقاساتها، تلته عملية منع الطهي في مشعر منى، وتوالت عمليات وضع الضوابط لتلافي احتمالية نشوب أي حريق في كل المشاعر الثلاثة (عرفات ومزدلفة ومنى)، رغم ما سببته تلك القيود من آثار جانبية كثيرة.  

رابعاً: قامت بعدها بسنوات إدارة مشروع تطوير منى والمشاعر -عندما كان الأمير متعب بن عبد العزيز وزيراً للبلديات- بعمل دراسة مطولة لإنشاء مباني متعددة الأدوار على سفوح جبال مشعر منى، وأخذت شوطاً طويلاً من المناقشات، ثم تَجَمَد المشروع.  

خامساً: بدأ بعدها إنشاء مبانٍ ذات دور واحد على شكل قباب أو خيمة بيضاء تعبيراً عن الشعيرة كلفت الدولة مبالغ طائلة، إلا أنها أزيلت في شهر رمضان من نفس العام بعدما انتهى تأثيث معظمها، وقبل الاستفادة منها.

سادساً: عند إذن، حلت محلها فكرة الخيام المقاومة للحريق ذات الدور الواحد، وحدث معها عدة دراسات وأبحاث مختلفة لتكون لأكثر من دور تحسباً لزيادة عدد الحجاج، وبحسب معلوماتي، ساهم مركز أبحاث الحج في ذلك أيضاً بالدراسة والتطبيق، لكنها لاقت معارضات شديدة وآراء متباينة، بأفكار عجيبة.

سابعاً: كبري الجمرات وعمليات الازدحام والتدافع، تم تشييده لأكثر من مرة، وتمت إزالة جميع المباني والبيوت والأحواش الخاصة التي كانت موجودة في مشعر منى، حتى وصلنا للكبري الحالي ذا الطوابق الخمس باتساعه وطول أضلاعه وخدماته.

ثامنا: تم عمل مطارات لطائرات الإسعاف والدفاع المدني، وتعزيز وحداتهما ووحدات الأمن والسلامة.

تاسعاً: تم تنفيذ فكرة الخيام ذات الدور الواحد والمقاومة للحريق، وأُدخلت عليها بعض التطورات حتى آلت إلى ما هي عليه.

عاشراً: تم نقل جميع مجازر الحج وسوق بيع المواشي من مشعر منى لمنطقة المعيصم وعمل نفق المعيصم للتيسير على الحجاج للوصول للمجازر، وللاستفادة من مسطحات أراضيها.

حادي عشر: تم تحديث البنية التحتية في مشعر منى لتتلاءم مع وضع الخيام المقاومة ذات الدور الواحد، كما تمت إضافة العديد من الحمامات وأماكن الوضوء، وتمديد شبكة مياه عادية ومُبَرَدة.

ثاني عشر: بعد فترة، طُرحت مرة أخرى الفكرة السابقة لمشروع المباني على سفوح الجبال، فأثمرت عن تنفيذ المباني اليتيمة والموجودة حالياً على سفح الجبل كتجربة لم تُكتمل أو لم يتم مواصلة تنفيذها.

ثالث عشر: جميع تلك الأعمال الجبارة في المشاعر المقدسة تم تنفيذها من قبل شركات ومؤسسات وطنية مصنفة بمقاييس عالمية، وبإدارة وعمل العديد من المهندسين الوطنيين، وهي ميزة عالية وكفاءة جديرة بالفخر والاعتزاز.

تلك كانت لمحة سريعة، وسجل وثائقي وتاريخي لبعضٍ مما حدث في مشعر منى خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وقد تداخلت فيه الكثير من العقبات، وتضاربت حوله العديد من الآراء كأي مشروع جديد يجري تنفيذه قبل استكمال الدراسات من جميع الجوانب، ورصد العقبات المتوقعة والمشاكل الغير متوقعة أو المحتملة، وعدم التوقف عند الحلول المؤقتة، بل بوضع الحلول الجذرية لها.      

رابع عشر: كذلك، في تلك الفترة، تمت مناقشة وضع مخطط عام وشامل لمدة (25) خمسة وعشرين عاماً لمكة المكرمة، وآخر لما يتبعها أو يرتبط بها، وثالث لما يربطهم بالمدن المجاورة كجدة والطائف، ورابع لما يربط مدن المملكة ببعضها، وذلك في عام 1400هـ، بعد أحداث الحرم -بحسب ما أتذكر-

رابع عشر: بدأ العمل الفعلي لتنفيذ تلك المقترحات التخطيطية لبضعة شهور، كان من ضمنها الطرق الدائرية الثلاثة في مكة المكرمة، نُفذَت أجزاء منها، ثم توقفت الفكرة بكاملها فجأة، وأحيلت الفكرة بكاملها لعالم الأرشيف. 

لا شك أن كل فكرة أو مشروع سيواجه العديد من العقبات والمصاعب المتوقعة والغير متوقعة، وستكون هناك الكثير من الاحتمالات أو التصورات التي قد يظنها البعض خيال أو وهم فلا توضع في الاعتبار، وخاصة إذا ما ارتبط المشروع بعدة جهات مختلفة، والكثير من اللجان المتنوعة التفكير، أو البعيدة عن الواقع الملموس والحال المحسوس.

ورغم ذلك فلم تقف الحلول عاجزة أمامها، ولن تُسْتعصى على أهل العلم والمعرفة وذوي الخبرة والتجربة من أهلها وسكانها طالما توحدت القلوب، وتماسكت الأيدي، وتظافرت الجهود، وتوفر الدعم المعنوي والمادي، ولا أخاله إلا كذلك، خاصة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، ومن يُعهد إليهم بذلك من الإخوة الكرام.

من الطبيعي حدوث الكثير من المتغيرات الجوهرية في مكة المكرمة ومجتمعها على مدى هذه السنوات التي قاربت أو تجاوزت النصف قرن من الزمان كأي مجتمع آخر، لكن لا يزال الكثير من العلم والمعرفة والخبرة مخبأ في العقول وبين طيات النسيان، إذا بحثنا عنه وفتحنا له المجال، وسهلنا له الطريق للوصول والتواصل، فسيكون من المؤكد وجود أكثر من طريق للوصول لحلول تحقق الأهداف حتى وإن ارتفعت تكاليفها مبدئياً، لأن الأهم هو الأهداف المنشودة من مثل هذا المشروع الإسلامي والحيوي، والثمرة ونوعها وجودتها التي يمكن أن يجنيها على مدى سنوات طوال، عوضاً عن مشروع معدود السنوات محدد الخدمات، مرهق من جميع الجوانب.

قد يذكرنا هذا بما أجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيه من أَنَّ [الاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ مشروعة] لمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ} انتهى. وقد تكون المشورة أو التشاور والاستعانة بأهل الخبرة والمعرفة جزءُ من الاستخارة المشروعة.

أتمنى ألا نستعجل في اتخاذ القرار بتعدد أدوار المخيمات، وأن نحرص على اتباع السنة النبوية، وأن نتعلم من أخطائنا، وألا نكرر أخطاء غيرنا، وألا نستسلم لليأس، وأن نواصل البحث والتركيز على الدراسات الأكثر جدوى مستقبلياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً وحضارياً، لتكون الدراسة الأنضج لتحقيق الأهداف، ونيل الطموحات القريبة والبعيدة المدى، ونتحدى بها العالمية بمشروع لا ولن يكون له مثيلاً على الاطلاق.

نسأل الله حسن التوفيق، والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

دراسة “المخيمات المتعددة الأدوار”

يدور حديث طويل ومحاولات عديدة منذ فترة طويلة حول إنشاء أو بناء مخيمات متعددة الأدوار عوضاً عن المخيمات ذات الدور الواحد والتي تم إنشائها في مشعر منى بعد إزالة المباني المتعددة الأدوار التي كانت موجودة به، وإقامة كبري الجمرات أكثر من مرة، وما تلاها من توسعات وتطورات مختلفة فيه على مدى أكثر من ثلاثين عاما.

لا أزل أتذكر مقترح مشروع ضخم جداً وشامل لمشعر منى، تمت دراسته منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما، على أثر أكبر وأول حريق نشب في المخيمات القطنية العادية التي كانت شائعة الاستخدام آنذاك، توقف وطُبِقَ بدلاً عنه مشروع الخيام أو المخيمات البيضاء المقاومة للحريق ذات الدور الواحد، مما جعل مشعر منى أكبر مدينة خيام بيضاء في العالم، ورغم ما قُدٍم من مقترحات بجعلها متعددة الأدوار وقابلة للطي، مشابهه لما استخدمه مركز أبحاث الحج في تلك الفترة.

اليوم نعود لنفس المشكلة السابقة، وهي عدم قدرة المكان على استيعاب الحجاج الحاليين، مما يؤدى للتفكير في تكرار الأدوار لاستيعاب ضعف العدد الحالي تقريباً، وبنفس الطريقة القائمة تقريباً. 

تزايد عدد الحجاج، وخطة الرؤيا 2030م، تطمح أن يصل عددهم لعدة ملايين قد تتجاوز (20) مليون حاج أو حاج ومعتمر.

مسطح مساحة مشعر منى محدود شرعاً، وكبري الجمرات ذا الطوابق الخمسة وفروعه المتعددة أدى دوراً فاعلاً لتيسير عملية الرجم، وأخذ جزءً كبيراً من المساحة. الجهود التي تبذلها الدولة وبقية الجهات ذات العلاقة تتضاعف في كل عام، وستحتاج لمواقع إضافية لضمان تقديم أفضل الخدمات.

سنحتاج بعد كَمْ عام إعادة النظر في زيادة الدور الثالث وربما الرابع للمخيمات وإعادة تحديث البنية التحتية وإضافة الكثير من الخدمات الضرورية لتغطي احتياجات الحجاج ولتوفير أكبر قدر ممكن من الخدمات لضيوف الرحمن.

قد يكون من الأجدر أن نفكر بروية أكثر، ونظرة أبعد، وطموحات أوسع ونجعل من مشعر منى مدينة صغيرة، أو حي أنموذجي، متكامل المنشآت والخدمات، متنوع المباني المتعددة الأدوار، بطراز معماري إسلامي خاص بالمشاعر المقدسة، ويصبح مقراً دائماً للحجاج والمعتمرين على مدار العام، وليس قاصراً على خمسة أيام فقط من كل عام، ونستفيد من خدمات النقل العام على اختلاف أنواعه منه وله وبه، ونخفف الضغط عن التكدس السكاني في المنطقة المركزية، وتبقي للراغبين في البقاء فيها وحولها فقط وبأسعار تناسبها.  

لو أجرينا عملية حسابية تقريبية أو تقديرية، بين قيمة إعادة بناء المخيمات لدورين ثم لثلاثة وأربعة ومتطلباتها، وقمنا بعمل مقارنة شاملة، بعد وضع الدراسات الأولية وفقاً للمعايير والمقاييس الجديدة والتي قد تتطلبها طبيعة المنطقة، وحالتها في التصميم المقترح، وأشركنا معها عملية تشغيل قطار المشاعر لزيارة جبل عرفات، وربطه بقطار مكة أو قطار الحرمين، وركزنا على البعد الاقتصادي والمجتمعي، قد نجد الفارق الشاسع الذي سيشجعنا على سرعة اتخاذ قرار البدء الفوري في إنشاء هذا المشروع الحيوي في عدة مراحل سريعة متوازية ومتزامنة تضمن لنا تحقيق أهداف الرؤيا الحالية 2030، والمستقبلية 2050. 

هذا المشروع لو تمت مناقشة فكرته وعمل دراسات شاملة من قبل استشاريين مواطنين لمعرفتهم لمعنى الحج وظروفه، ومواطنين من ذوي الخبرة والعلم والمعرفة، وطرحة في مشروع استثماري متكامل المراحل، وإضافة تشغيل قطار المشاعر له طوال العام بدلاً من اقتصاره على ساعات معدودات من العام، سيكون مصدراً جديداً لتشغيل الآلاف من الأيدي العاملة، وبنك وطني كبير لرؤوس أموال ضخمة واستثمارات عالية وضخمة جداً، وبمساهمة حكومية وإدارة مستقلة تقوم على تنفيذ وإدارة وتنظيم مراحل المشروع ووضع الأسس الصحيحة للاستفادة منه بأسرع وقت ممكن.      

معذرة، فأنا لا اكتب هذا من وَهْمٍ أو فراغ، وإنما أكرمني الله سبحانه وتعالى، بواقع عاصرته وتعايش معه لسنوات عديدة مع مجموعة كبيرة من أساتذتي الأفاضل وأقراني الكرام ومن عاصَرَنا من الأحباب والأحبة خلال تلك الفترة.

كم أتمنى أن تصل الفكرة لذوي الاختصاص والمسؤولية، ومناقشتها من جميع الجوانب مع ذوي الخبرة والكفاءة الوطنية في جميع التخصصات، وأنا على يقين تام بالنتيجة البناءة والتي ستحقق تلك الطموحات وتوصلنا لمراحل الرؤيا رغم تفاوت سنواتها، خاصة ونحن نشهد عهداً جديداً وتطورات سريعة في مجالات متعددة، وقفزة عالية نحو العالمية، وعناية خاصة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.

نسأل الله حسن التوفيق، والحمد لله رب العالمين.