إبراهيم بن حسين جستنيه

هدية ليلة العيد 1445هـ

إخواني وأخواتي الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بمناسبة عيد الفطر المبارك، أهديكم هذا الحديث النبوي الشريف. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتطبيقه، وأن يعيننا على مواصلة أعمل الخير والطاعة التي أقمناها خلال شهر رمضان المبارك.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب].

رواه الطبراني، وأَبِي الدَّرْدَاءِ، وأبي أمامة، وابن ماجه.

       فقوموا الليل ولو ركعتان، وسجدة شكر لله عز وجل، وصلاة على حبيبه عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم ارفعوا أكف الضرارة للباري عز وجل، وثقوا بأنه لن يخيب رجاء السائلين، وإن طال الانتظار.

لا تنسونا من دعواتكم.

وكل عام وأنتم بخير.

                                                                   أخوكم

إبراهيم بن حسين جَسْتَنِيِّه

همسة “غياب الطلاب في رمضان”

اطلعت على مقالة الأخت فاتن محمد حسين بصحيفة عكاظ بتاريخ 23/9/1445هـ، 3/4/2024م، تحت عنوان (غياب رمضان، وإحياء الأسبوع الميت)، بخصوص تغيب نسبة كبيرة من الطلاب عن المدارس خلال أيام الشهر الكريم، وخاصة في الأسبوع الأخير منه، أو في غيره.

       المقال من حيث الفكرة جيد، والتطبيق بسيط جداً لو أرادت ذلك الجهات المعنية مع إضافة بعض الأفكار التطويرية له.

       أتذكر أنني كتبت عدة مواضيع بخصوص الشباب من الجنسين، وطرحت عدة أفكار ومقترحات منذ سنوات عديدة، آخرها كان بعنوان (همسة النادي الجامعي في 18/3/2022م. تلتها همسه ثقافية وأخرى همسة زمان) وهي موجود في موقعي الإلكتروني في بند (المدونة) فقرة -الهمسات- بالإضافة للعديد من المواضيع الأخرى.

       المؤلم حقيقة، هو أن الكثير مما يُكتب أو يُنقل، أو يُقال من بعض ذوي العلاقة بالمشكلة، أو المعنيين أو المفكرين، أو المقترحين قلما يُلقى له بال.

لذلك يكون التصويب في تلك الجهات بطئ جداً، أو مُنْعدم.

       حدثت كثير من المتغيرات في شتى بقاع المعمورة، فإسطنبول مثلاً وباريس ولندن والقاهرة ودبي وغيرهم من المدن الكبيرة التي لا تنام. وبالرغم من ذلك تجد الأمور تسير في نصابها.

       تختلف ظروفنا البيئة والمجتمعية والثقافية في المملكة عن الكثير من دول العالم، لذلك، المقارنة معها في معظم الحالات غير عادلة.

الثقافة الفكرية، وأسلوب الترغيب، ومبدأ التفاهم وفهم الآخر، عناصر رئيسية في استمرارية الحياة الاجتماعية والمجتمعية، وتوثيق الثقة، وتعميق المحبة والتعاطف.

دستورنا القرآن واضح وبَيِّنْ -الله سبحانه وتعالى- يخاطب رسوله ﷺ قائلاً {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ*} الآية (159) آل عمران، ويخاطب سيدنا موسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى*} الآية (44) سورة طه.

حبيبنا وسيدنا رسول الله ﷺ يقول [إنَّ الله يُحبّ الرِّفقَ في الأمر كله [إنَّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلَّا شانه] وقوله ﷺ [يسِّروا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا].

الطلبة من الجنسين، إخواننا، وأبناؤنا، وأحفادنا. هم جزءٌ منا، هم فلذات أكبادنا، هم جيل المستقبل.    

فهل نمتثل لأوامر -الله سبحانه وتعالى- وتوجيهات حبيبه عليه أفضل الصلاة والسلام ونحتضنهم ونرعاهم، ونحافظ عليهم من سيطرة عناصر العولمة الزائفة، والحرية المُفْسِدَة، ونساعدهم على حبنا وكسب رضانا! أم نحثهم على كراهيتنا! والنفور منا! واللجوء للطرق المعوجة! والعناصر الفاسدة!!

       أسلوب الترهيب، ومبدأ التهديد، والحكم بالعقاب الصارم قبل تحليل الأسباب، ومعرفة المسببات، وتوفير العلاج، أثبت عدم جدواه، بل وأخرج نتائج عكسية.

       من الحكمة عند وجود مشكلة، أو عقبة، التريث قبل اصدار الحكم أو القرار، والقيام بعملية دراسة وتحليل دقيق لها بشفافية تامة مع كل المعنيين بها، والتواصل مع المقترحين، وذوي الرأي في ذات الموضوع، للخروج بخلاصة مثمرة، وحقائق واقعية، ودراسة جِدِّيَة مشتركة معهم للوصول لحلول يمكن تطبيقها على أرض الوقع بشيء من المحبة المتبادلة والتعاطف المشترك امتثالاً لشريعتنا السمحاء.  

       أتمنى أن نتحلى بالحكمة والمرونة المنطقية أسوة بسيد البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام، خاصة وأننا في شهر المحبة والوئام، والتسامح والكرم، شهر القرآن الكريم، وأن نكون أهلاً لثقة القائد لمنهج 2030م، ولخطط التنمية المستدامة.

وكل عام وأنتم في أتم الصحة والعافية.

همسة “في الأذنين”

كانت همستي السابقة في أُذُنٍ واحدة، عن موضوع تتبع عورات الآخرين، ونقل وتناقل ونشر معلومات أو صور أو فيديوهات عنهم.

أتمنى أن نكون قد استوعبنا المساوئ الناجمة عن فعلها، وتوقفنا عن ممارستها، وسألنا الله سبحانه وتعالى التوبة والرحمة.

هذه الهمسة في الأذُنَين معاً، اتطرق فيها لفئة ثانية تقوم بأعمال قد يكون بعضها أسوء من بعض أعمال تلك الفئة السابقة.

كثرت وسائل التواصل الاجتماعي، وفتحت المجال أمام العاقل والجاهل، البالغ والقاصر للتصوير والكلام والحديث المفيد والضار، والسخيف واللغط دون حُسْنِ استخدام هذه الوسائل، بلا حسيب ولا رقيب.

البعض يصور وينشر، والبعض يكتب ويرسل، وآخرُ ينقل ويتناقل وَيَحُثْ على المساهمة في النشر حتى قبل أن يقرأ أو يفهم ما يُرْسَلُ له، أو يتأكد من صحة ما ينقله أو يطالب ينشره.

والبعض كأنه مراسل بريد، يرسل لجميع المجموعات المشترك فيها كل ما يصله أو تطاله يده دون أن يعرف محتواه، أو يستوعب معناه، أو يفهم أهدافه، حتى الصحف والأخبار والتك توك وغيرها، وبعض رسائل الواتس آب الغير لائقة لم تسلم من بعضهم، رغم تواجدها لمن يستجيب لوسوسة الشياطين.

كذلك الحال بالنسبة للكتابة بلغة عجيبة وألفاظ ركيكة، ومعانٍ غير مهذبة، أو عبارات سخيفة، وحركات غير مناسبة، وخاصة من الناطقين بلغة القرآن الكريم.

الكتابة في حد ذاتها فَنٌ جميل، وذوق رفيع، وهبة إلهية، وتعبيرات ذاتية داخلية، ومتعة جميلة تروح عن النفس. تريح القلب، وَتَسُرُّ الفؤاد، وتطمئن الخاطر، وتُهَدِّئ الأعصاب إذا سلكت الطريق القويم.  

الكتابة إحدى هواياتي الجميلة، واستخدام قواعدها وأصول منهجها عنصر أساسي في دِقتِها وجمال تعبيرها لأنها لغة القرآن، ولغة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام.

الغريب في الأمر، والملاحظ على الكثيرٍ من مستخدمي هذه الوسائل الحديثة، أنهم يستخدمون اللغة العامية أو الدارجة في بلدتهم، والبعض يستخدم كلمات مكسرة وجمل غير متناسقة، أو عبارات غير مناسبة مليئة بالأخطاء والألفاظ المُحْرِجَة، والجمل الغير مهذبة، والحركات الهزلية والاستهزائية. 

البعض يدخل في مجالات أخرى ومواضيع متشعبة، ليست في مجاله، ولا تليق به ولا بمكانته، ولا جدوى له فيها ولا منها (ما له لا في الثور، ولا في الطحين) يحشر نفسه دون أن يعرف محتواها أو يفهم معناها، ولا يدرك عواقبها.

وهذا أمر يجانب الصواب، ويوقع في الخطأ، وقد يتسبب له في العقاب، أو في مشاكل جسيمه عاجلاً كانت، أم آجلة، لم تكن في الحسبان.

لاحظت أيضا أن بعض الإخوة لا يقرأ ما يصل في الموقع المشارك فيه، فتجد أن بعض المواضيع يتكرر إرسالها عدة مرات متتاليه على فترات متفاوتة ومن أشخاص مختلفين، وكأنهم يتسابقون على نشرها، مما يجزم بعدم قيام أي منهم بالاطلاع على ما ورد في المجموعة (قروب -واتس آب) قبل أن يقوم هو بنشر ما لديه.

وهذا أمر جلل، وخلل جسيم، وسوء استخدام لتلك الوسائل.

نشر العلم والمعرفة والثقافة، وتبادل الآراء البناءة، والأفكار الهادفة شيء جميل جداً ومجهود يشكر عليه فاعله ما دامت فيها جدوى ومنفعة مشروعة، ولها أهداف بناءة، ورؤيا واضحة، وخاصة مع مجريات التطورات المتنوعة، والمعلومات المستحدثة.

هذه الوسائل المتطورة شأنها شأن كل جديد ومستحدث، لها الكثير من المميزات الإيجابية، مثل الأهداف البناءة، إذا أحسنا استخدامها، وهي نعمة عظيمة وفرصة ثمينة.

جعلت العالم على اتساع رقعته، وتباعد مواقعه، وترامي أطرافه كأنه مطار دولي واحد، أو محطة قطار دولية يلتقي فيها كل من يريد أن يتعلم ويُعَلِّم، يتعرف على الآخر، يُثَقِف وَيَتَثقَّفْ، يزداد معلومات ويستنير بالأفكار المفيدة.

يكون سفيراً جيداً -على الأقل- لدينه ووطنه، وليس العكس.

كذلك، لها سلبيات كثيرة، منها ما أتحدث عنه أعلاه، وكل ما يخرج عن المزايا أو الإيجابيات، فهو غثاء، وهدر للوقت، وإرهاق للفكر، وغيِبة للآخرين، وهي ممنوعة شرعاً وقانوناً.

وما أكثرها على مواقع التواصل، وما أبشع ردود أفعالها وأفظع أضرارها على الذكور والاناث، وخاصة أطفال اليوم، جيل المستقبل وما سيُخَلِّفُهُ ذلك عليهم وعلى الأجيال القادمة.

الكل يعلم حق اليقين بأن الأمواج تسير تبعاً لاتجاه الرياح وسرعتها، وتتغير بين لحظة وأخرى دون سابق إنذار. تَشْتَدُّ وتختلف كثيراً في البحار، وتتضاعف في   المحيطات.

لذلك، علينا اتخاذ الحيطة والحذر، وعدم التهور في جميع شؤون حياتنا العامة، حتى لا نُلْقِي بأنفسنا الى التهلكة.

نتريث كثيراً قبل ان نركب إحدى تلك الأمواج، منخفضة كانت أم مرتفعة، فقد تشتد سرعتها، أو يتغير مسارها بين لحظة وأخرى.

علينا أن نكون مؤهلين ومستعدين حتى لا تأخذنا لأعماق البحار، أو المحيطات.

عندئذِ، لا ينفع الندم على ما كان، ولا الحسرة على ما سيكون.

عفوا أخي القارئ، لا تفهمني خطأ، فأنا بالتأكيد لا أعني بهذا عدم الكتابة، أو عدم التصوير، أو عدم النشر، وإنما الهدف من ما أدونه بالقليل من التلميح، هو أن نحسن اختيار ما نتبنى نشره بعد الفهم والإدراك، ومراعاة عدم التكرار، وأن يحقق الأهداف البناءة في المجتمع حتى يكون فيه ثواب عظيم شامل، بدلاً من أن نتعرض لما نحن في غناً عنه.

علينا جميعاً ان نتحكم في عواطفنا، ونستوعب حقيقه ما يجري حولنا، وما يُحَاك لنا، وما قد لا نراه من خلفنا.

نحكم بالعقل، ونتكلم بالمنطق، ونستنير برأي من هو أعلم منا فيما نجهله، حتى لا تأخذنا العواطف وسرعة الانفعال لطريق بعيد، قد لا تكون فيه عودة.

لذلك، على كل إنسان مِنَّا أن يعيد قراءة ما كتب، أو ما سَجَّلْ، ويستعرض ما صور، ويقرأ كل ما يصله، ويفهم ما فيه، وما الهدف منه قبل أن يتبنى نشره، أو توزيعه، أو ترويجه والإعلان عنه في مجموعاته حتى لا تتسبب له في مشكله مستقبليه، لم تكن في الحسبان.

أتمنى على الجميع أن نتحاشى هذا الخلل الجسيم، وان نردم هذه الفجوة قبل أن يتعذر ردمها، وأن نبتعد عن كل السلبيات، ونسعى جاهدين لتحقيق المزيد من التميز والإبداع والعالمية، مواصلين مسيرة التنمية المستدامة والرؤيا البناءة 2030م، متكاتفين متضامنين ومتحابين.

أتذكر مثل قديم تعلمناه في طفولتنا (لا تَتَدَخَّلْ في ما لا يَعْنِيِكْ، حتى لا تَسْمَعَ ما لا يُرْضِيِكْ). يظل هذا المثل ساري المفعول على مر العصور والأزمان واختلاف الأحداث والأحوال.

تمشياً مع التطورات الحديثة، والأحداث التفاعلية، والخطوات التنموية، ووسائل التواصل الواسعة الانتشار، المتعددة الوجهات، المختلفة المسميات والمميزات، أجد أن الله سبحانه وتعالى- قد يمكنني من تطوير هذا المثل العريق، أو الحكمة البليغة المعنى، الواسعة الأهداف لتصبح كالتالي (لا تنقل ولا تتناقل ولا تنشر ولا تصور ما لم تفهم، أو ما قد يؤذيك، حتى لا تقع في ما لا يرضيك)

الخلاصة:

الاندفاع تهلكة، والحذر واجب، إذا كان الكلام من فضة، فالسكون من ذهب، والتريث حكمة، والنصيحة أمانة.

اللهم فاشهد أني قد أديت الأمانة.

دمتم في خير وعافية وسلام وأمان بحفظ الرحمن.

همسة “في الأذن”

تعليقا على ما تكرر تداوله في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل بعض الإخوة الكرام، عن ذكر بعض المعلومات أو المساوي أو عرض فيديو أو صور لأشخاص آخرين على اختلاف مستوياتهم العامة، سواءُ أكانوا في الدنيا، أم أنهم قد رحلوا عنها.

كنت أحذف هذه المعلومات دون أن أقراها لأن ذلك يعد هتكاً لستر الله تعالى عنهم، وتتبعا لعوراتهم.

[عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، أذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم[1]].  

[يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنه من اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه[2]].

بعد فترة، كتبت تعليقا في أحد المواقع تذكيراً عاماً للجميع دون ذكر الاسماء والمواقع تلافيا للإحراج، أشرت فيه إلى أن:  

من أسماء -الله سبحانه وتعالى- الستار. ستره في الدنيا وهو أعلم به في الأخرة، فما جدوى نشر هذه المعلومات عنه!!

قد يكون الأجدر بنا أن نحافظ على أنفسنا من الخطأ واللغط، وأن نسال الله الستر في الدارين بدلا من أن ننقل أو نتناقل، أو أن نتحدث بمساوئ الأخرين ونشر صفحات عنهم، والتشهير بهم أياً كانت حالتهم أو جنسياتهم أو مناصبهم الدنيوية.

الله سبحانه وتعالى أعلم بهم منا، وهو الرحيم بنا وبهم. بغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، سبحانه هو الحكم العدل، وهو الرحمن الرحيم.

البعض منهم جزاه الله خيرا، توقف عن تكرار ذلك وأشكرهم على ذلك.

شخص وحيد، وبالرغم من علمه ومعلوماته وعلاقته الشخصية بي دون ذكر اسمه، اعترض على ذلك، وأرسل لي على موقعي الخاص بالواتس آب، قائلاً (المحاسبة أساس قوام الشأن العام).   

لم أرغب في فتح المجال للنقاش البيزنطي. كيف تحاسب من لقي ربه بكل ما فعله من صواب أو خطأ!

أما الموجود، فلست أنا ولا أنت الحَكَمُ أو القاضي، فلم التشهير إذن!

لم أرد عليه بشيء. واصل بعد ذلك بضع مرات، دون أن أعَلِّق بشيء، ثم توقف بعدها. الحمد لله- أنه رجع للحق، وأرجو أن يستمر على ذلك.

من منا يا ترى معصوم من الخطأ!! عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ][3]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ][4].

لا يخلو أي عمل من الخطأ صغيراً كان أم كبيرا، وبقدر ما تكون مسؤولاً وعاملاً، تكون هناك أخطأ، والأخطاء دروس جديدة نتعلم منها كثيراً.

من يخطئ قد ينجح، وقد يفشل، وفي كلا الحالتين لن يسلم من الانتقاد. يكون له محبين ومغبطين، وكارهين وحاقدين وحاسدين، وهي أمر طبيعي.

المهم هو أن تعترف بخطئك وتتجنبه، وتستغفر الله- أو تطلب السماح عنه بحسب حاله وموقعه وفعله.

أتنمى على الجميع التمسك بذلك، وتَذَكُّر ما ورد في الكتاب الكريم والسنة والأحاديث النبوية، والذي لا ينطق عن الهوى، بعدم نقل أو تناقل، أو نشر أي معلومات شخصية مسيئة لأي شخص كان.

        أسال -الله سبحانه وتعالى- أن يعفو عنا جميعا، وأن يسامحنا على أخطائنا، وأن يكرمنا بما هو أهل له.

والحمد لله- والصلاة والسلام على رسوله الذي شهد له ربه بحسن الخلق في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ*} الآية (4) سورة القلم.


[1] روى أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي.

[2] الراوي، أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد. المصدر: صحيح أبي داود. المرجع، موقع الدرر السنية.

[3]  أخرجه الترمذي وأحمد بن حنبل واللفظ لهما، وابن ماجه باختلاف يسير..

[4] صحيح مسلم. الدرر السنية.

همسة “اللقاء”

كانت الحياة بسيطة وسهلة، والمحبة منتشرة، والحنان متبادل، والعطف منتشر. كان اللقاء سهل وميسر، والابتسامة تكاد لا تفارق الوجيه رغم صعوة الحياة وقسوة المعيشة.  

كنا متجاورين، أو منازلنا متلاصقة، وقلوبنا متوافقة. أزقتنا متلاقية، وخطواتنا متتابعة. نتشوق للقاء بعضنا البعض، ونسعد بالقرب، ونتسابق بالمحبة.

كنا سعداء ومبسوطين جداً، نلتقي بشوق وكأننا لم نر بعضنا منذ فترة طويلة. نتبادل السلام والتحية، ونتجاذب أطراف الأحاديث المختلفة. نواسي بعضنا البعض، ونتعاون لتخفيف آلام بعضنا البعض. نتشارك في السراء والضراء.

نُعَلِّمُ بعضنا البعض كل مفيد. الكبير أب، قريباً كان أم بعيد. الكبير يرحم الصغير، والقوي يعطف على الضعيف. الغني يواسي الفقير، والشبعان يطعم الجيعان.

كنا نجلس من الجد حتى الحفيد حول مائدة واحدة والابتسامة لا تفارق محيانا. أصبحنا فراداً كل منا في طريق.

تباعدت بيوتنا، وابتعدت قلوبنا، وتناقصت محبتنا. تكاثرت مشاغلنا، وتوسعت مشاكلنا، وامتلأت حياتنا بالهموم والمنغصات. انتشرت البغضاء والضغينة، وكثر الحسد والنمية. اختلفت أساليب التربية، ووسمت القيم والعادات والتقاليد الحسنة بالرجعية، فازدادت صعوبة الحياة.

اختلفت الثقافات الفكرية، وتبددت الثقافات التفكيرية. تغيرت أساليب التعامل، وتبدلت طرق المعاملة. اختلطت المفاهيم، وتشتتت الأفكار، وتضاربت الفتوى. تحول الرأي الآخر لعداء شرس، وأصبح الصواب خطاً، والخطأ صواباً. خَفَّ التواصل تدريجياً، وتباعدت الأجساد رويداً رويدا، والتحقت بها القلوب، فتفرق الجمع.

تطورت مسيرة الحياة بطريقة عجيبة، خففت القليل من متاعب الدنيا، وأثقلت كاهلنا بالعديد من الهموم المختلفة والمسؤوليات المتشعبة، والأفكار المشوشة.

خرجت عن المألوف الكثير من الأمور، أضاعت الحياء، ونبذت التقاليد الحسنة، وذمت العادات الأصيلة، وتهكمت بالقيم الرفيعة.

الكثير منا سار مع الركب، وبعضنا تَحَفَّظْ، والقليل منا اتخذ جانب الأمان بالانعزال أو التقوقع تلافياً لشدة التيار الجارف وقوة المعيار.

ما عُدنا نلتقي إلا ما ندر، وإن حاولنا، نكون بأجسادنا فقط وعن مضض. لقاء بارد، وابتسامة صفراء باهتة، تُشعرك بمدى اليأس، وشدة العذاب.

لا قلب ولا إحساس ولا مشاعر. لا لطف ولا تعاطف ولا ترابط. الكل منغمس في شاشة جواله، أو مستمعاً لكلامه، أو مرسلاً بكلماته.

الضئيل من المحبة التي لا تعدوا أن تكون مجاملة، إلا ما ندر، ما لم تكن خلفها مصلحة نوعية.

نحرص على سرعة انتهاء هذا الكابوس، بعد ما كان اللقاء عنصر الحياة الاجتماعية والمجتمعية القديمة ذات البساطة السهلة الممتنعة. 

       لِمَ حولنا حياتنا من حال البساطة والسعادة لحالات الوحدة والأنانية! والتعقيد والشقاء! والعناء التراكمي!!

       مهما يفعل الإنسان في هذه الحياة، ومهما يجني من متع الدنيا، ومهما يخزن من أموال في البنوك فلن يحصل على كل ما يريده مهما طال به الزمان.

لن يأخذ إلا ما قَسَمَهُ له -سبحانه وتعالى- خلال ساعات حياته الدنيوية. سيترك كل شيء تَحَصَّل عليه للورثة ويغادر هذه الحياة الفانية بقطعة قماش بيضاء.

       أيام قليلة بعد رحيله، ويُنسى ذكره. لن يبقى له في الحياة إلا فعل الخير، والعلم النافع، والأثر الطيب، والولد الصالح، والذكرى الحسنة.

       ترى!! هل سنعتبر!!! نسأل الله ذلك.

همسة عن “العولمة والحرية الزائفة”

اطلقت الدول التي تدعي الحضارة والتقدم، وتنتهج مسلك الحرية المطلقة، والإباحية المتناهية، أطلقت عبارات “الحرية والمساواة” وأردفتها ب “العدالة”

       زعمت أن الدول التي تسميها “النامية” دول غير متحضرة وظالمة للمرأة خاصة وللمجتمع عامة، ولا يوجد فيها مبادي عادلة ولا حرية ولا مساواة.

       استطاعت هذه الدول استخدام نفوذها وسلطاتها لفرض السيطرة وسن القوانين التي تهدف لتفكيك مجتمعات تلك الدول، وتفريق أفراد أسرها المترابطة، ونبذ القيم الرفيعة، والتهاون في التقاليد العتيقة، والبعد عن العادات الحسنة.

ظلت تضغط بكل الوسائل بقيادتها لتغير مسارهم نحو تطبيق المبادئ التي تدعي أنها “الحضارة والتقدم والعدالة والمساواة والحرية“.    

شعارات طالما ترددت على أبواق عملائها، وفي الصحف والمجلات والإذاعات والتليفزيون وميادين وساحات الدول. حقيقة الأمر، تلك العبارة بريئة منها.  

بدأت بمشروع العولمة الاقتصادية “منظمة التجارة العالمية” وقد كُنْتُ أحد رجال الأعمال الألف في أكبر تجمع لمؤتمر رجال الأعمال السعوديين. عُقِد في الرياض عام 1415هـ -بحسب ذاكرتي- تمهيداً لانضمام المملكة[1] ل “منظمة التجارة العالمية“.

كُنْتُ ولا أزال من غير المقتنعين بمبادئها. كتبت همسة عن “منظمة التجارة العالمية” في 28/02/1440هـ، 06/11/2018م. لم تنشر في الصحف.  

أثبتت العقود المنصرمة أنها في منتهى الظلم، والبعد عن العدالة والمساواة التي تدعيها، حتى بين أفراد مجتمعها، وبين الدول الداعية لها، وبين بعضها البعض.

انكشفت حقيقتها، دعوات ظاهرها حرية وعدل ومساواة، وباطنها عبودية وإذلال، غدر وخيانة، هدم وضلال وتضليل.

 الله جل جلاله- لم يخلق شيئاً عبثاً، بَيَّنَ الفرق بين الحياتين، وفصل منهج طريق كل منهما. أسبغ العطاء للمهتدين، ووعد بالجزاء للمذنبين. وعد بالعفو والرحمة ومضاعفة الثواب لمن يريده ممن يناديه ويستغفره، فكن مِنْ مَنْ لا يَكِلِّ من طَرْقِ بابه.

نظم الحياة الدنيوية. وضع لكل شيء قوانين تنظيمية، ومواد نظامية رئيسية، وحدود بدائية ونهائية، وترك اللوائح التفصيلية للبشرية لتتلاءم مع كل عصر بزمانه ورجاله، وهذا أحد أسرار صلاحية هذا الدين في جميع الجوانب إلى يوم البعث.

الحرية هي حق الإنسان في اختيار ما يريد وفقاً لاقتناعه واعتقاده ضمن الضوابط العامة لمفهومها الحقيقي. هي مسؤوليته التامة عما يقول ويفعل دون أن يُلْحِقَ أي ضرر بغيره. بمعنى، كما يحب أن يكون له، يكون عليه، أو تنتهى حريته عندما تبدأ حرية الآخرين. هي ليست مطلقة دون قيود حتى لا يتأذى الآخرون من تصرفاته، لها بداية ونهاية، فلكل شيء في هذه الدنيا الفانية بداية ونهاية.

العدل هو إعطاء كل ذي حقٍ حقه، قَلَّ أو كَثُرْ، وفقاً لما يستحقه، وليس تبعاً لمنزلته أو للمصالح الشخصية والأغراض الذاتية.

المساواة هي التوزيع في كل شيء بالتساوي للجميع دون عدل ولا إنصاف لمن يعمل ومن لا يعمل. الوزير والغفير في منزلة واحدة في كل شيء. وهذا من المبادئ الاشتراكية، في حين أن العولمة ظاهرياً تتدعي الحرية والعدل والمساواة، وهي بريئة منه، وواقعها يبتعد عن العدل ومفهومه.

العدل والمساواة مبدئين مختلفان كثيراً عن بعضهما البعض.

العدل يمكنه أن يحقق المساواة في الجوانب المرتبطة بالعدالة. يعطي كل ذي حقٍ حقه أياً كان مقامه، وفي جميع الأحوال والحالات دون شرط المساواة.

المساواة لا تحقق العدل ولا العدالة إلا فيما ندر من جوانبها. لأنها لا تُنصِف، تساوي بين الصالح والطالح، وهذا نوع من الظلم.

بعضنا يحفظ، وآخر يقرأُ، وثالث يتذكر العديد من الآيات القرآنية الواردة في ذلك وفي مثل هذه المواضيع. يمكننا الرجوع لها، لم أذكرها حتى لا أطيل المقال[2]

كثير منا منبهر بأضواء زائفة، وشعارات مضللة. ساروا في طريق طويل تضيئه الفتن، منبهرين بالجمال الزائف والمتعة المؤقتة، تصطف على جانبيه متع الحياة الزائلة. طريق متعرج مليء بالحفر، محفوف بالمخاطر.

تعثر البعض فيه، وكُبَّ البعضُ على وجوههم، وسقط آخرون في حُفَرِهِ، وهوى كثيرون لقاعه. ونجا القليل.

خسرنا الكثير، وتعلمنا دروساً كثيرة خلال تلك السنوات العجاف. عرفنا الصديق من العدو، فهمنا بعض أهداف الأعداء، وعرفنا منهج تخطيط الأبواق، وأدركنا حقائق كانت غافلة عن الكثير منا، أو يتغافل عنها الغالبية.

كنا جهلة فتعلمنا، أو متجاهلين فتأكدنا، منقادين فتحررنا.

اليوم أصبحنا -بفضل الله تعالى- ثم بالإدارة الحكيمة والهمة العظيمة مستقلين، قادرين على حماية أنفسنا وتحقيق مصالحنا الوطنية.

ازددنا تسلحاً بمواصلة تطبيق القرآن الكريم، والتَدَرُّعِ بالعلم، والتحصن بالمعلومات، والمبارزة في تنوع العالميات، والتعامل مع الآخرين تعامل الند بالند.

استوعبنا الحقائق فاستنرنا. حددنا أهدافنا وسرنا بعزيمة صادقة، وقلوب قانعة، وأيدٍ متماسكة فوصلنا. حققنا الريادة، وفزنا بالعديد من الاختراعات وحقوق الملكية الفكرية، ونافسنا على العالمية فكسبناها عن جدارة.

لا أود التعمق في التفاصيل المؤلمة التي تطفو على السطح، أو تختبئ خلف الستار في هذا العصر العصيب، المليء بالتطورات المخيفة التنوع، والأفكار المشوشة، السارة منها والضارة، المحبذة والمنبوذة.

أخالني أن الكثير منكم يفهم ما أرمي إليه، ويدرك ما أصبوا إليه، ويستوعب ما أهدف إليه. وخير الكلام ما قَلَّ وَدَلْ.

لذاً، أتمنى على الجميع أن يتفهم حقيقة الأبواق الداعية للحرية المطلقة، والمنادية بالعدالة المزعومة، والداعية للمساواة الزائفة، والداعمة للمثلية التي أخذت تنتشر في بعض دول العالم، وتوخي الحذر مما سيخرج من الجعبة المخفية من تخطيط هَدَّام، وأوهام خيالية ستطرح في الأيام القادمة.

أتمنى أن نظل محتكمين للكتاب المبين والسنة النبوية بعقولنا وأفئدتنا وأفعالنا، ونصحح مفاهيمنا، ونحسن إدراك ما يحاك حولنا.

أطمع في أن نرى بقلوبنا وليس بعيون غيرنا، وأن نكون يداً واحدة كالبنيان المرصوص في وجه كل هذه الدعوات المضللة، والأبواق الداعية للهدم والضياع، والعنصرية والقبلية والإرهاب.

أرجو أن نتذكر معاً شيئاً من الآيات الكريمة المعبرة عن تلك الحالات وأمثلتها، لتعيد الطمأنينة لنفوسنا، وتشد أزر الطموح في جميع أعملنا، وتساعدنا على تحقيق أهدافنا وبلوغ رؤيانا العاجلة منها والآجلة.

والله ولي التوفيق.


[1] تتوفر معلومات عن ذلك في أحد مجلدات “مجموعة التراجم التحليلية التداخلية المشتركة” التي أقوم بمراجعة بعضها تمهيدها لاتخاذ الإجراءات النظامية لطباعتها ونشرها.

[2] يمكن الرجوع لكتب التفسير وغيرها من الكتب المتخصصة، لمن يرغب في معرفة المزيد عن أوجه التفاوت بين العدل والحرية والمساواة، وكيف تُطَيَّق.

همسة الأنين