إبراهيم بن حسين جستنيه

دراسة الكهرباء الساكنة[1] Static Electricity

هذه دراسة تحليلية سريعة عن الطاقة الكهربائية على اختلاف أنواع وأقسام وخواص ومخاطر كل منها، مع بعض النتائج والتوصيات المستخلصة من خبرة علمية وعملية وتطبيقية تزيد عن نصف قرن.

الفئة المستهدفة لنشر وتعميم هذه المعلومات بينهم عن أنواع الطاقة الكهربائية وخواصها ومخاطرها، هي الفئة الغير متخصصة في مجال الطاقة لخطورتها على الأرواح والممتلكات عند التساهل في التعامل معها، لذلك لا نرغب في اشغالها بالتفاصيل والمصطلحات العلمية والفنية والمهنية.

أما الفئة المتخصصة فمن المؤكد أنها تعرف الكثير من الأنظمة والقوانين والمصطلحات الخاصة بالكهرباء وأنواعها وخواصها ومخاطرها وطرق الوقاية منها، وتدرك جيداً مدى خطورة التهاون في اتباع قوانين وقواعد التمديدات والتوصيل والاستخدام والتركيب والتشغيل والصيانة والأمن والأمان والسلامة.  

تُبين المعلومات أنّ اكتشاف الكهرباء يعود للقرن السادس قبل الميلاد، وقد أصبحت العنصر الثالث للحياة المعاصرة بعد الهواء والماء، وهي ثلاثة أنواع رئيسية، الساكنة، والمستمرة، والمترددة أو المتذبذبة.

حديثنا في هذه الدراسة باختصار عن الكهرباء الساكنة. هي شيء محسوس وغير منظور، القليل منها غير ضار لحظياً ويتعذر تلافيه، لكنها أكثر خطورة وخاصة على الأطفال والإناث كلما زادت شدتها، أو كَثُرَ التعرض لها.

تنشأ من عدة عوامل، منها تراكم الشحنات الكهربائية على سطح مادة ما نتيجة فرك أو احتكاك أو تجانس بين مادتين مختلفتين غير قابلتان لتوصيل الكهرباء، وتتولد تلقائياً في جميع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية طالما بها تيار كهربائي. تتواجد دون تدخل الإنسان في مواضع عديدة منها، جسم الإنسان، وصفحة ورق الكتابة مع الكيس البلاستيكي، والأكياس البلاستيكية وبعضها البعض، وفي المشط عند تمشيط الشعر، وعند لمس مقبض الباب، وفي ألعاب الأطفال التي تعمل بالبطاريات أو الشحن الكهربائي، وعند إغلاق أو فتح باب السيارة، وفي غيرها.

تستخدم في آلات الطباعة والنسخ بالليزر، وفي رشّ المحاصيل الزراعية بالمبيدات الحشرية، وفي طلاء السيارات، وفي تنقية الهواء وغيرها.

لها مخاطر كبيرة وعديدة مثل، نشوء شرارة من الكهرباء الساكنة في مواقع خطيرة قد يُسبّب إشعال حريق أو وقوع انفجارات، وقد يؤدّي إلى حروق جسيمة أو الوفاة عند تلقّي صدمة كهربائية كبيرة منها، ولها دور فاعل في العديد من الظواهر الطبيعية في حياتنا كالبرق والصواعق وغيرها، ويتعذر على الإنسان تلافيها أو عدم تواجدها دون استخدام قطب التفريغ[2.

لذلك لابد من التعامل معها بحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة لتلافي تلك الصدمات أياً كانت قوتها، وأبسط طريقة لتلافيها من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية هي فصل مصدر التيار الكهربائي عنها لبضع دقائق على فترات متقطعة من استخدامها.

أما بالنسبة للكهرباء الساكنة العالية فلابد من استخدام قطب نظام التفريغ للشحنات الكهربائية وطرق ضمان سلامة تطبيقه وحسن الاستفادة منه، بحسب نوعيتها ومستوى قوتها، وظروف تواجدها البيئي والزماني والمكاني، والمحافظة على مواصلة تطبيق الطرق الفنية المستخدمة للفحص وللتفريغ بما يحقق مبدأ نظامها، وليس نص أو مبادئ نظامها، لاختلاف المفهوم بينهما، وتغيره تبعاً للظروف الزمانية والمكانية والبيئية، وذلك بواسطة جهة وأجهزة مخصصة، وشخص متخصص ولدية الخبرة التطبيقية الكافية لتحقيق ذلك، حتى لا تُهدر الأموال دون فائدة، وتُفْقد الأرواح نتيجة الجهل أو الاستهتار، أو البخل، أو التقاعس.

من المؤسف جداً، أنه خلال مسيرة عملي المهني والهندسي، وفي المجال الاقتصادي المتنوع، قلما وجدت من يلتزم بمراعاة الأنظمة والقواعد الخاصة بالأمن والسلامة من مخاطر الطاقة الكهربائية، بل وجدت الكثير من الاستهتار بها وبمخاطرها، وهذا ما دفعني لمحاولة تقديم بعض الأفكار والدراسات التحليلية الموثقة، لكنها لم تجد بعد آذاناً صاغية، ولا صدً يُدّوي في القلوب لإنقاذ الأرواح والممتلكات من مخاطرها.

الدراسة القادمة -بمشيئة الله- عن الكهرباء المستمرة وقطبيها الرئيسيين، وتليها المتذبذبة وأقطابها بأنواعها.

حرر في 17/08/1443هـ، 20/03/2022م.


[1] سيتم الشرح عنه في دراسة الكهرباء المتذبذبة، للمعلومية، لكنه لن يفيد القارئ العادي ما لم يكن من المتعددي الاهتمامات.


[2] كانت هذه المعلومات في مناهجنا التعليمية في الابتدائية. ستكون المقالة مختصرة وعامة تمهيداً للمقالات التالية عن أنواع الكهرباء الأخرى، ومعرفة الأهداف من هذه المقالات. أما من أراد التفاصيل في شيء معين فبإمكانه مراجعة الكتب أو المختصين أو البحث في الإنترنت

لمسة “رحمة العالمين”

بدأنا ببسم الله الرحمن الرحيم            #     وبالصلاة على سيد العالمين

بقلوب مشتاقة نستقبل                #     شهر الرحمة ونزول القرآن

مرحباً بك يا شهر رمضان               #     يا شهر المحبة والبيان

مرحباً بك يا شهر الرضوان             #     يا شهر السلم والأمان

مرحباً بك يا خيراً من ألف               #     شهر ليست بحساب الزمان

أطل علينا هلالك بالسعادة                #     ونشر السلام على الأكوان

فتح الأبواب على مصراعيها            #     للتوبة وطلب الجنان

أنار القلوب وأزال الحسد                 #     ومحى الأحقاد بفضل المنان

أعاد الصلة والتواصل                    #     وأزال الهموم والأحزان

أيامك معدودات لكنها                     #     مليئة بالعفو والغفران

لياليك محدودة عامرة                     #     بالسعادة ورجاء الحنان

فيها يخفق القلب بما                       #     لا يعرفه إلا الواحد الديان

والعين تقطر تضرعا والقلب            #     يرجو صاحب الإحسان

الكل يرفع أكف الضراعة               #     راجياً كرمك يا حنان

الكل يتضرع للإله                         #     الواحد الأحد الديان

اللهم لا تحرمنا من فضلك                #     فأنت صاحب الفضل والامتنان

اللهم اصرف عنا السوء                  #     وغدر الأيام والإنسان

يا الله، يا الله، يا الله، عبدك               #     يطرق بابك طالباً العفو والغفران

يا الله، يا الله، يا الله، أدخلنا               #     مع الحبيب في أرفع الجنان

اللهم كما أعنتنا على الصيام              #     فأعنا على حسن الشكر والإيمان

اللهم كما وفقتنا للقيام فيسر لنا           #     وأستر علينا فيما بقي من الزمان

اللهم كما بلغتنا رمضان فأعنا            #     على ملازمة عمله طوال الزمان

اللهم كما يسرت لنا الاجتهاد             #     فَجُد علينا بالحور الحسان

اللهم كما هديتنا لطاعتك فأعنا           #     على كل ما يرضيك يا منان 

اللهم متعنا برؤية وجهك                  #     الكريم بصحبة سيد المرسلين

وعدت بالإجابة وأنت خير من           #     يفي بالوعد يا صاحب الإحسان

بُشرا لمن أكثر الصلاة والسلام         #     على البشير في السر والإعلان

وهنيئاً لمن فاز بالقبول                    #     ونال الدرجات الحسان

ساعات بعدها نودعك يا رمضان       #     حتى لقاء قريب بين الأحضان

سويعات قبل أن تغادرنا وقلوبنا          #     متشوقة لعودتك ونحن في أمان

والحمد لله رب العالمين والصلاة        #     والسلام على الرحمة للعالمين

آمـــــــــــــــــــــــــــين

كتبها الفقير إلى الله

إبراهيم بن حسين بن محمد سعيد جستنيه

دراسة “الفـكــرة”

حياة الكفاح مليئة بالأفكار والأماني والأمنيات، ولكل إنسان فيها العديد، منها الشخصي والأسري والجماعي والوطني، ومن لا يشعر بذلك فلا حق له في العيش فيها لأنه ليس من المجتمع ولا يشعر به.

على مدى سنوات طوال وأنا أبحث عن معلومات وصور ووثائق لتوثيق شيء من تاريخ أسلافنا العريق وأمجادنا العتيقة، خلال تلك الرحلة المضنية تمنيت على أفراد جيلي ومن بقي من الجيل السابق، في كتابي “رجل المهمات الصعبة” والذي صدر في بداية هذا العام 1439هـ، 2018م، بعد جهود مضنية وأعوام طويلة استمرت ثمانية وعشرون عاما، تمنيت عليهم سرعة القيام بإبراز ما لديهم من علم ومعلومات وصور ووثائق عنهم وعن أسلافهم وتدوينها حفاظاً عليها من الضياع أو النسيان أو التلف أو التعاون مع شخص قادر على تدوينها أو تسجيلها، ومن ثم جمعها في مجلدات مصنفة.

        الحمد لله الذي حقق لي في حياتي المرحلة الأولى من إحدى أمنياتي الوطنية، فلقد وجدت أخيراً في الكثير من المواقع الإلكترونية التي أخذت تتسع وتنتشر بشكل خرافي خلال السنوات القليلة الماضية، وجدت الكثير من المعلومات والصور الوثائقية لعدد جيد من أسلافنا ولبعض من أفراد جيلنا بطرق متفرقة واجتهادات فردية وذاتية لا تزال في أمس الحاجة للرعاية وحسن التنسيق، والمزيد من التوثيق.

        التطورات الحديثة للمملكة ومسيرتها نحو الرؤيا 2030م، والانفتاح الثقافي والعناية بالتراث على اختلاف أنواعه وقيام وزارة الثقافة بإنشاء جمعيات متنوعة مثل “الجمعية السعودية للمحافظة على التراث الصناعي” وطرح مسابقة خاصة له بشروط واشتراطات قوية.

هذه التطورات وما قد يبدو من الخطوات الإيجابية، طور في رأسي فكرة إمكانية قيام الوزارة بإنشاء جمعية “للترجمة عن الشخصيات” مثلاً الموجودة أسمائهم على بعض الطرق الرئيسية والشوارع[1] وغيرها، في عدة مجالات وتخصصات كل فرع منها، حتى يعرف الناس أسباب التسمية والأعمال الجليلة التي قدمتها هذه الشخصية للوطن أو للأمة الإسلامية، وتعرف الأجيال أمجاد أسلافها، ويفهم العالم حقيقة تاريخنا العريق.

تقوم اللجنة أو الشخص المكلف بتجميع المعلومات والصور الوثائقية والتدوين وفقاً لمنهجية “الترجمة العامة” أو “الترجمة المتخصصة” أو “الترجمة التحليلية التداخلية المتطورة” وفقاً لكل حالة، ومساعدة الأفراد الذين يمتلكون هذه الملكة، أو يقومون بتطبيقها على حسابهم الخاص، وطباعتها بالألوان وإخراجها في كتيبات أو مجلدات متسلسلة بعد توثيقها من الجهة المختصة ليستفيد منها الطلاب والباحثين وطلبة الدراسات العليا والسائحين، فضلاً عن كونها توثيق تاريخي لأصالة تاريخنا العريق وبراعة أسلافنا رغم الظروف المعيشية والحضارية التي كانوا يعيشونها، والفارق التقني والعلمي الذي نعاصره، وتأكيداً للعالم على عراقة أصولنا وأمجاد أسلافنا وكفاءة كُتابنا.

قد يرى وزير الثقافة تكليف فريق متخصص لدراسة الفكرة وتطويرها، ومن ثم وضع منهجية التنفيذ لتواكب الرؤيا 2030م، وتواكب مسيرة التنمية المستدامة، وجودة الحياة، وتترك بصمة متميزة.  

ترى! هل ستصل لمعاليه!!    والله المستعان.

حررت في 07/12/1440هـ، 08/09/2019م. 


[1] سيق أن كتبت عن إضافة معلومات مختصرة قريبة من اللوحات المكتوب علىها أسماء مثل هذه الشخصيات.

دراسة حلم الطاقة البديلة والمتجددة

قرأت خبر في صحيفة مكة بتاريخ 11 رمضان 1443هـ، 12مارس 2022م، تحت عنوان “حلم الطاقة المتجددة والواقع” للأستاذ فيصل الشمري.

الدراسات التحليلية والمعلومات الفنية والإحصائيات والتوصيات حول الطاقة البديلة والمتجددة أمور لا تهم القارئ في هذه العجالة، لذا، لن أدخل فيها.

لا شك أن الطاقة الأحفورية لها دور كبير وواسع في الحياة العالمية منذ ظهورها، لكن هذا لا يمنع من استمرار المحاولة في توفير المرادف على أقل تقدير، تحسباً لأي احتمالات، والمثل حاصل أمامنا في الأحداث الجارية، وقد أشرت لذلك في مقالي “همسة عبر الأثير” وما سبقه، وإن اختلفت المواضيع، إلا أن الهدف مشترك.

من المتعارف عليه، أن أي بحث جديد يحتاج لوقت طويل وجهود مضنية، وتجارب عديدة، ومصاريف باهظة متواصلة -وليست متقطعة، أو مسايرة للموجة- قبل أن يصبح مشروع اقتصادي مثمر، أو فاشل، أو غير مجدٍ اقتصادياً، ومثل هذا المشروع عادة، لا يؤخذ بالناحية الاقتصادية لأنه من المتطلبات الرئيسية للحياة.    

منهجية دراسة أي مشروع في العالم تختلف من دولة لأخرى، ومن باحث لآخر، لها قواعد أساسية ثابته، وقواعد متغيرة الزمان والمكان والدعم المعنوي والمادي.

توفير الوسائل الرئيسية لاستكمال إجراء الدراسات، وتحليل الأبحاث، وتنفيذ التجارب التطبيقية، وتدقيق النتائج ومقارنتها، والمختبرات المخصصة وأجهزتها المتنوعة ومتطلباتها المتعددة، عنصر رئيسي في تمكين الباحث من الوصول لنتائج مهما كانت إيجابياتها أو سلبياتها المتغيرة، وهو القادر على تقييم نتائج الدراسة -إذا كان على خبرة واسعة وعلم ومعلومات كافية– أو من هم أكثر منه خبرة وعلماً في عدة تخصصات بحسب مجال ونوع البحث ومنهجيته وظروفه.   

أدون هذه الخلاصة كأنموذج، تحصلت على شهادة دولية لدراسة علمية وعملية وتدريب تطبيقي لعدة أسابيع من منظمة اليونسكو عام 1409هـ، 1989م، في استخدام الطاقة الشمسية للتدفئة وتسخين المياه. لم أكتف بها، بل طورت معلوماتي وبذلت جهود مضنية لتطبيق فكرة ما تعلمته والاستفادة منه، وتحملت أعباء مالية عالية لأتعلم المزيد، حتى أتمكن من التحاور والمناقشة فيما أقدمه، وأكون جديراً بما تعلمته.

قدمت دراسة أولية لهيئة الجبيل لتبني مشروع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية، استضافتني يومين، قدمت خلالها عدة محاضرات ومناقشات واجبت على الكثير من الأسئلة، وبعد عدة أسابيع من المتابعة تلقيت خطاب اعتذار بمعنى أن (فكرة المشروع ليست في خطتنا) تصور هذا الاعتذار وردة الفعل عليه!!

كررت المحاولة مع أمانة جدة، وتم عقد الاجتماعات في المبنى الحالي لها مع الوكيل وممثل الشركة القائمة بإنارة وصيانة وتشغيل شوارع جدة آنذاك. من المؤلم جداً، والمؤسف حقاً أنها أخذت الفكرة، وقامت الشركة بتطبيق جزءٍ منها دون الرجوع إلي، وكأن شيئاً لم يكن، ولا أعلم، إن كانا واصلا! أم توقفا!!

بإمكانك أن تتخيل، لو أنني كمواطن قد أكون الأول في هذا المجال وفي ذلك الزمان- لو وجدت الرعاية الكافية، والدعم المعنوي والمادي، والمختبرات اللازمة لاستكمال هذا البحث وما يلازمه، وفُتِحَ المجال لأمثالي، أين كان يمكن أن يكون موقعنا اليوم في هذا المجال! وما هي العوائد التي كان يمكنها أن تتحقق!! لو كان هناك دعم حقيقي! وما هي الإيجابيات التي كان بالإمكان تواجدها! وأسئلة كثيرة أتركها لك! قد تجد لها الإجابة الصادقة.   

عاصرت الراديو الممنوع استخدامه بدون تصريح، ويعمل في البيت على بطارية السيارة، والهاتف أبو هندل عن طريق السنترال، وغيرها كثير، واليوم كيف نعيش!! 

كل التطورات العلمية والتقنية التي يعيشها هذا الجيل كانت أحلام وخيالات أسلافنا وبعض من جيلي، لكنها اليوم أصبحت واقعاً ملموساً نتنعم بثمراتها، كذلك سيكون الحال بالنسبة للجيل المعاصر، أحلامه وتخيلاته هي المستقبل -إن اجتهد وأخلص ولم ييأس- ممكن البعض منا يدرك شيئاً منها، والباقي لمستقبل الأجيال القادمة، وهكذا تدور عجلة الحياة جيلاً تلو الآخر.

أنا لست ضد الطاقة الأحفورية، ولكنني مواطن مؤمن بمبادئ وقواعد البحث العلمي وحسن الدراسة، قد أختلف في طريقة المنهجية العامة، وأسلوب برمجة الدراسة، وهذا أمر طبيعي وشيء صحى، لكنني واسع الطموح، وبعيد الخيال، مدرك للتخيل، متحسباً للتقلبات الزمانية.

حسن استخدام النظام اللا مركزي في توزيع الطاقة على المستهلكين يخفف العبء والمسؤولية عن شركة الكهرباء، ويتلافى تلف الأجهزة والمواد الموجودة في الثلاجات، وتَوَقُّفْ خطوط الإنتاج الصناعي، وغيرها من عجلة دوران الحياة عن طريق الطاقة المركزية عند انقطاع الكهرباء المفاجئ وعودته المفاجئة وما تسببه من تلف الأجهزة وخطورة الارتفاع المفاجئ لسحب التيار على العدادات والشبكات والأجهزة والآلات وغيرها، دون حسيب ولا رقيب.

لم تنجح محاولاتي العديدة يا أخي العزيز في مشروع الطاقة الشمسية، وعلى غيرها قِسْ وهي عديدة. كل الأفكار والدراسات الأولية للمشاريع التي أطرحها منذ عام 1398هـ، 1978م، نُعِتَتْ بالمشاريع الوهمية أو السرابية، ولم تجد بعد القوة الداعمة، ولا الكلمة المطمئنة، ولا الآذان الصاغية. قد يكون عيباً مني في الإعداد، أو خطأ في طريقة العرض، أو أشياء أخرى لا أعرفها. قد تجد ملخصات وشيء من المستندات التوثيقية لها بين كتاباتي في مطبوعاتي، تلافياً للإطالة.

وبالرغم ذلك، لا يزال لدي الأمل الكبير في تحقيق بعضها على الأقل عاجلاً أم آجلا، فهو حبل الحياة، والتفاؤل شيء جميل جداً ودافع قوي لعجلة الحضارة والتقدم، وعنصر أساسي لرفع المعنوية، والكلمة الطيبة صدقة وحافز مشجع على مواصلة الجد والاجتهاد، فمن جد وجد، ومن طلب العلا، سهر الليالي.  

إذا رغبت ومن تحب، يمكنك التنزه في الموقع وقطف ما يروق لك من زهراته.

فقد تجد فيها ما يريح نفسك، ويطمئن قلبك.

حرر في 19/09/1443هـ، 20/04/2022م

همسة عبر الأثير

همسة من الأعماق أبثها عبر الأثير، مع نسمات الفجر العليل، وعبير الزهور والورد والياسمين، تتردد دون انقطاع إلى أن يُهيئ الله لها من يسمعها بقلبه، ويستوعب معناها بعقله، ويفهم مضمونها بإحساسه، ويرسم برامجها بدقة، ويحقق أهدافها بفعله، ويوصلها للرؤيا الطويلة الأمد.

تتطور مسيرة الحياة المعاصرة بشكل متسارع شبه لحظي، وتحدث أحداث كثيرة مفاجئة، وأحداث متوقعة، وأحداث غير متوقعة، مما يوجب القلق ويدعو للحيطة والمزيد من الحذر.   

كان الأسلاف في السابق يعتمدون على الحفظ الشفهي لنقل المعلومات والأنساب وغيرها ويتوارثونها أجيالاً بعد أجيال، ثم حان عصر الكتابة بمراحله المتعددة، وتلاه عصر الطباعة الورقية بمزاياه الكثيرة وعيوبه المحدودة، لكنها بقيت الأكثر أماناً على بقاء كل العلوم والمعلومات ونقل الحضارات، ولا أدل على ذلك من كتاب الله المبين، المنزل على الرسول الأمين، حفظه الله سبحانه وتعالى- من التحريف والتغيير، فكانت طباعته ورقياً أفضل وسيلة لانتشاره السابق في بقاع الأرض وبعدة لغات دون تحريف ولا تغيير.

ارتفعت تكاليف الطباعة، وبدأت الوسائل الحديثة لنشر العلوم والمعلومات بعدة لغات بترجمة فورية وتبادل الثقافات بطرق شبه لحظية، مما تسبب في ضعف الاهتمام بعمليات تطور طرق وأساليب الحفظ والكتابة والطباعة الورقة، فأخذ في التغيب عن الساحة تدريجاً، وأقبل الكثير على استخدام أحدث الطرق بأقل التكاليف، ولمسة الأصبع.

لا شك أن التطور شيء جميل جداً بكل المعاني ضمن الإطار العام، لكن هناك أموراً يجب المحافظة عليها لأنها الأكثر أمناً وأمانا، والوسيلة الأفضل للمحافظة على كل أنواع المقتنيات.

لقد سبق أن كتبت كالكثير غيري من المهتمين والمختصين عن ضرورة المحافظة على طرق الحفظ والكتابة والطباعة الورقية، ودارت في الصحافة مناقشات عديدة حول هذا الموضوع، لكن العاصفة كانت شديدة، فتبعثرت الصفحات في فضاء فسيح، وتاهت النداءات بين ذبذبات الأثير حتى يكاد يُسْدَلُ الستار على قاعدة الحفظ والكتابة والطباعة الورقية. لم تكن عاصفة شديدة وحدها، بل تبعها تيار جارف كان أقوى من كل المقاومات بكثير، ولا يزال شديداً يجرف كل ما يعترضه أو يجده في طريقه.

لو حدث حادث ما مثلاً، عُطْلُ مفاجئ في القمر الصناعي، أو ضرر أو ما شابه ذلك، ستتوقف جميع وسائل التواصل والاتصالات عن أي دولة كما يحدث الآن لروسيا كمثال واقعي نتعلم منه العبر، ونأخذ منه دروساً عديدة، من فرض العقوبات، وحجب وسائل التواصل، وقطع الاتصالات اللاسلكية وما ينتج عنه من أضرار بليغة. لم تعد الحياة الطبيعية مضمونة، لأن نظامها يستند على مبدأ القوة، وفرض السيطرة، والخضوع للأمر الواقع.

ترى كيف سنتمكن من استكمال تدوين وتوثيق الماضي! وكيف يمكننا استخراج المعلومات! وكيف يمكننا معرفة وحفظ وتدوين المستجدات! وكيف يمكننا مواصلة الحياة بعد أن ركزنا كل اعتمادنا على تلك الطرق والوسائل التي لا نملك القدرة على التحكم فيها! ولا نستطيع حمايتها من التلاعب بها! ويتعذر علينا حماية أنفسنا مما قد يصيبنا من أضرار جسيمة لو توقف أو حُجِبَ القمر الصناعي عن البث على دولة ما!! 

 الحيطة واجبة، والحذر مطلوب، وحسن النية وارد، لكن الواقع متغاير، والمصالح متقلبة، علينا أن نأخذ العبرة من الحياة، ونتعلم من دروس الآخرين أو مما يحدث لهم، وأن نحرص على تجنب الوقوع فيما أُسقطوا فيه، أو انزلقوا إليه، وعلينا أن نجد المرادف والبديل وتوفير الاحتياطي، وأن نكون مستعدين تحسباً للظروف الطارئة.

قد يكون من الضروريات الشديدة الإلحاح في ظل هذه الظروف المتضاربة عالمياً، الأخذ بعين الاعتبار هذه الدروس التطبيقية الحالية على روسيا وأمثالها، وما يبدو في الأفق من التحركات الصينية، وسرعة اتخاذ قرار فوري بالعودة السريعة لاستخدام طرق الحفظ والتدوين والتوثيق المطبوع لجميع ما لدينا من مستندات ووثائق وصور وكتب ومجلات وصحف وغيرها، وما يستجد لضمان المحافظة على إرثنا التاريخي العريق، وعلمنا وعلومنا وكتبنا ومعلوماتنا ومقتنياتنا على اختلاف مستوياتها وأثمانها، المكشوفة للغير، والتي قد يمكن التلاعب بها، أو حجبها عنها، إذا لم نعتبر مما يحدث لغيرنا.

قد يكون من الأفضل الأخذ بعين الاعتبار سرعة تطوير وتطبيق أنظمة وطرق الحفظ والكتابة والطباعة الورقية، والعمل على تقليص سلبياتها لتواكب المسيرة، والعودة لاستخدامها، مع حفظ أكثر من نسخة مطبوعة من موجوداتنا وفي أماكن مختلفة تحسباً لكل الاحتمالات، بالإضافة لاستخدام الطرق الحديثة لمواكبة مسيرة التنمية المستدامة.

هذه همستي الخالصة لوجهه الكريم، وهديتي بمناسبة شهر المحبة والقرآن، أبثها عبر الأثير في هذا الشهر الفضل، متمنياً أن تُسمع بإنصات دقيق، وتُفهم بقلب مخلص رشيد، وتُدرك بمشاعر وطنية خالصة، وأن تصل لعقل وقلب كل مواطن في أي موقع، وكل من يعشق القراءة والكتابة الورقية وحفظ الوثائق والمستندات المختلفة، والمحافظة على تاريخنا العريق، بأن تحظى هذه الهمسة بسرعة تطبيقها، وأن تحظى بالعناية الخاصة من كل من يستطيع تحقيق أهدافها وتنظيم خطط رؤياها للحاضر والمستقبل

والله المستعان.  

حرر في 09/09/1443هـ، 10/04/2022م.

همسة خواطر رمضانية[1]

أساتذتي وإخواني وأبنائي الكرام من الجنسين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله.

نهنئكم بهذا الشهر الفضيل، ونسأل الله تعالى أن يقبله ويتقبله منا بعفوه وكرمه، وأن يبلغنا إياه أعواماً عديدة في صحة وعافية وأمن وأمان.

أشكر منصة “أكاديميون الثقافية” على إتاحة هذه الفرصة لألتقي بكم في هذه المناسبة الإسلامية الرائعة، شهر المحبة والغفران، نسترجع خلالها بعض الخواطر، أو القليل من الذكريات، ونترحم على أسلافنا وندعو لهم بالرحمة والغفران.

الخواطر كثيرة، والذكرات عديدة، ومناسباتها مختلفة، اليوم يجول بخاطري جانب من أحداث شهر الصوم الفضيل قبل أكثر من نصف قرن مع ذكرى قدومه.

كان لوالدي حسين محمد سعيد جستنيه -يرحمه الله- حتى نهاية عام 1374هـ، 1955م، قبل توسعة المسعى، دار عامرة أمام باب السلام الكبير واجهته على المسعى مباشرة ومدخله من زقاق البلدية بواسطة درج للدور الأول، لأن الأرضي محلات تجارية على المسعى الذي يعتبر أكبر سوق تجاري في مكة المكرمة.

كذلك، كان للوالد دكان في الجهة المقابلة بين بابي السلام الكبير والصغير، يبيع فيه ساعات رولكس، أوميقا، وأنواع مختلفة من الخردوات، وفوط الإحرام وأشياء كثيرة أخرى، وكلونيا ليالي باريس، والطائر التي بدأت تظهر في ذلك الزمان.  

كنت في بداية المرحلة الابتدائية أجلس بصحبة والدي في الدكان بعد العصر في رمضان والمسعى مرصوفة بالحجارة ويوجد حاجز رمزي متقطع بين الصاعد للمروة والنازل للصفا، نشاهد ونسمع المعتمرين وهم يسعون مهللين مكبرين سائلين راجين الكريم.

كان من عادة أغلب أهل الحجاز أداء عمرة واحدة على الأقل في رمضان، بالإضافة لعمرة ربيع ورجب وشعبان، من جدة والمدينة والطائف، وأغلبهم لهم معارف أو أقارب أو أصدقاء في مكة.

كأنني الآن، أسمع صوت الوالد -يرحمه الله- يقول “عمرة مقبولة، أو من المقبولين إن شاء الله- وأسمع رد الآخر قائلاً “جميعا إن شاء الله، شكرا” والوالد يرد عليه ننتظرك على الفطار، فيرد الآخر “إن شاء الله”

وقبل آذان المغرب أجد عدد جيد من هؤلاء المعتمرين قد وصل للدكان أو ذهب للبيت لأنه معروف، ويوجد ثلاثة من العاملين على الضيافة في الدور الأول يستقبلون الضيوف ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه، ريثما يأتي الوالد.

كانت تمتد سفرة طويلة من أنواع الطعام الرمضاني الحجازي، كل محتوياتها من طهي سيدات البيت -يرحمهن الله- الجدة والعمة والوالدة، والجواري، ثم أصبحن العاملات من المواطنات، بعضهن زوجات العاملين أو قريباتهم، أو من غيرهم.

نبدأ ببسم الله، نتناول التمر والصقيع، ونشرب الزمزم ثم نقوم لصلاة المغرب في الغرفة المجاورة خلف إمام المسجد الحرام ونحن في البيت نشاهد المصلين في باب السلام وفي المسعى.

بعد الصلاة يجلس الجميع حول المائدة في سعادة وهناء، كأنني أشاهد هؤلاء الضيوف الأعزاء أمام عيني في هذه اللحظات على شريط سينمائي وهم يضحكون معاً في سعادة وتبادل أحاديث جميلة خلال تناول الطعام على مائدة أرضية، من صحون مشتركة، ولقيمات متبادلة بينهم بنفوس طيبة، وابتسامة مشرقة.

اتخيل السادة الأفاضل أحمد صلاح جمجوم، أحمد يوسف زينل، أبوبكر باخشب باشا، ونور ولي، وعبد الله قاضي، وصالح كشميري، وزكي يماني، وعبد الوهاب عبد الواسع، وأيوب صبري، وحسن داغستاني، وحسن علام، وغيرهم كثير أنساني الزمان أسمائهم، قد يجتمع بعضهم بالتنسيق بينهم، وقد يصادف تواجد آخرين مع بعضٍ منهم، أو بدون وجودهم. وهؤلاء من الشخصيات التي كتبت عنهم في كتابي “رجل المهمات الصعبة” في (530) صفحة A4 و(1220) صورة ومستند ووثيقة تاريخية، بعضها تظهر لأول مرة، وبينت بعض المواقف التي عاصرتها منهم.    

بعد الحمد والشكر لله، نقوم لغسل اليدين، ثم يعود الجميع لتناول القهوة العربي، والعربي بالنانخة المحمصة، ثم الشاي الأسود، أو بالنعناع الطائفي أو المدني، وكذلك الأخضر، حتى آذان العشاء، فنؤدي الصلاة في جماعة مع الإمام من البيت، البعض يخرج لصلاة التراويح في الحرم، والبعض يبقى، والبعض يغادر عائداً لداره.

بعد التراويح توضع أنواع مختلفة من الحلويات البيتية أيضاً، مثل الكنافة والفلة، والجبنية، والرقاق الحلو، واللبا مع العسل، وغيرها من نعم الله تعالى علينا.

شكرنا لنعم الله يتواصل، فيأتي دور الموالح للتسلية مثل المنفوش والفول النابت والترمس والحلبة الخضراء، وقبل الفجر بحوالي ساعتين يأتي دور السحور بنعم الله الكثيرة، والحلا ساقدانة، أو مهلبية، أو خشاف، أول لبن زبادي.

تختتم الجلسة أو السهرة بالصلاة على النبي والفاتحة ثم الصلاة عليه، ويقوم الجميع للاستعداد لصلاة الليل وانتظار صلاة الفجر أيضاً مع الإمام.

اللهم ارحمهم أجمعين، وارحمنا وجميع المسلمين برحمتك التي وسعت كل شيء، ولا تؤاخذنا على أخطائنا، فأنت الجواد الكريم، وصلى الله وسلم على نبيك الأمين.     

أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم، وإن شاء الله تكون ذكرى طيبة وكل عام وأنتم بخير.

حررت في 18/08/1443هـ، 21/03/2022م.   


[1] حلقة مسجلة فيديو خصيصاً لموقع منصة “أكاديميون الثقافية” وقامت ببثها في المنصة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في 08/09/1443هـ، 09/04/2022م.

همسة أبوية[1]

روى لِي الوالد حسين جستنيه -يرحمه الله- قصة في إحدى الجلسات الخاصة معه قائلاً، [“تقدمت السن بأحدهم، كان له ابن بار به يسهر على راحته والعناية به وحمله ونظافته وغسله وتطيره وتلبية كل متطلباته، وذات يوم أراد الابن مداعبة والده فقال له، يا أبي الآن أصبحنا متساويين، فقال الأب كيف يا بُنَيَّ! فقال الابن، راعيتني وحفظتني وحملتني وربيتني وطهرتني وقدم لي كل ما أطلبه عندما كُنْتُ طفلاً حتى أصبحت رجلاً، والآن أنا أقوم بنفس الدور فتساوينا، تبسم الأب ابتسامة عريضة وقال، لكنك يا بني نسيت أهم شيء في المقارنة، فقال الابن وما تلك! فقال الأب، أنا كُنْتُ أخاف عليك من لفحة الهواء، وأفعل كل شيء لتنميتك وتطويرك، وأتمنى أن تكون أفضل مني، وهذا ما لا يتمناه أحد لغيره إلا الأب، وأبذل قصارى جهدي لتحظى بحياة سعيدة وسيرة حسنة وذكرى طيبة، وأن يطول عمرك في طاعة الله تعالى، أما أنت!! فماذا تتمنى لي! تسأل نفسك مراراً وتكراراً، ترى متى أستريح من هذا العناء!!! وأردف الوالد قائلاً ولأمك ثلاثة أضعاف ما لأبيك فلا تغرك الحياة يا بني فتخسر الدنيا والآخرة”، فبكى الابن وطأطأ رأسه وقَبَّلَ يدي والده وقدميه وطلب منه العفو والسماح]. انتهى.

تمعن يا أخي في هذه الحكاية وافهم معناها، واعمل بمقتضاها، وحقق مرتجاها قبل أن يمضي بك الزمان وأنت لاهٍ عنهما، منشغل أو متشاغل بأمور الدنيا، أو مغرور بحياتك الخاصة حتى لا تخسر الدارين. هكذا كان السلف الصالح قدوة حسنة لأبنائهم، ومدرسة متنوعة المناهج، متعددة المراحل. ترى! هل نحن كذلك! أو هل لا يزال هذا النمط من الآباء يعيش بهذه المبادئ في هذا العصر الذي أصبحت فيه المادة العنصر المسيطر على كل شيء، والطريق للوصول لأي شيء! نسأل الله اللطف والسلامة.

اللهم بحق اسمك الأعظم، وحرمة بيتك الحرام، وفضل شهر القرآن المبين، ارحمهما كما ربيانا صغيراً وتجاوز عنهم وعنا وعن وجميع المسلمين، وأكرمنا وإياهم أجمعين بما أنت أهل له يا رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين إلى الدين. 


[1] منقولة من المجلد الثاني من “مجموعة التراجم التحليلية التداخلية المشتركة” إبراهيم حسين جستنيه، تحت المراجعة. تذكرتها خلال المراجعة، أعجبتني فأحببت أن تشاركوني الأجر والثواب.

همسة “إذا عُرف السبب”

قرأت مقالة الأستاذ عبده خال في صحيفة عكاظ الإلكترونية في 27/04/1440هـ 03/01/2019م، بعنوان [خِيرة الله عليك يا حمود «بطّل»]، ولم أستطع كتابة المداخلة عليها في الصحيفة، فقررت إرسالها له مباشرة، لكن عدم معرفتي برقم هاتفه، وعدم وجود وسيلة للتواصل معه أجل إرسالها، فأضفتها مباشرة لكتابي “همسات” -أعانني الله تعالى على إعداده- قبل أن تضيع مني الكلمات، وسأحاول إرسالها له بمشيئة الله، إن تمكنت.

        أخي الكريم عبده خال، لك مني جزيل الشكر والتقدير،

أولا: لاهتمامك الشخصي وعلاقتك الوثيقة ومعرفتك الخاصة بالدكتور حمود علي أبو طالب.

ثانياً: على غيرتك الشديدة على عدم ضياع أو اندثار ما لدية من معلومات ووثائق تاريخية مهمة لا تزال في طي النسيان أو عالم الكِتمان.

ثالثاً: على التنويه عن تواجدها وخطورة نتائج إهمالها.

رابعاً: حرصك الشخصي الشديد على إيجاد وسيلة لحفظ تلك الوثائق وتدوين المعلومات في سجلات توثيقية.

خامساً: طرح فكرتك للمناقشة، تهدف لضبط مَكْمَن تلك المعلومات والوثائق وحثه على توثيقها، كونها حق مشاع للتاريخ وللأجيال الحاضرة واللاحقة.

        معذرة لأنني لا أؤيد هذه الفكرة التي طرحتها “اختطافه” أو -إكراهه إن صح التعبير-على عمل شيء لا نعرف سبب عدم رغبته فيه حالياً على الأقل، إذ قد تؤدي هذه الخطوة لنتيجة عكسية، وقد تخسر العلاقة الوثيقة بينكما، وهو ما لا نحبه ولا نتمناه.

أرى إذا تسمح لي، أن يكون للعلاقة القوية التي تربطكما دور إيجابي أخوي شديد، يبدأ من:

أولا: معرفة الدوافع الرئيسية أو الحقيقية لحالات السفر التي أشرت إليها ورغبته الكامنة في الابتعاد عن محيط أو جو معين.

ثانيا: معرفة أو التعرف على نتائج رحلاته تلك ووجهاتها وحصيلة ثمراتها، خارج النطاق العام أو المعروف لكم، فقد تكون لها جدوى غير ظاهرة تستحق إعادة النظر في وجهة نظرك وتساهم في إمكانية إقناعه أو التفاهم معه لتوفير شيء من الوقت لتدوين وتوثيق ما لديه من علم ومعلومات ومعرفة ورثها أو تعلمها، أو تجزئة توثيقها، أو إسنادها لمن يوثقها تحت إشرافه ومتابعته “فإذا عُرف السبب، بَطُلَ العجب”.

لقد عانيت الأمرين في جمع معلومات على مدى ثمانية وعشرين عاما لتدوينها في كتاب “رجل المهمات الصعبة” والذي صدرت أخيرا طبعته الأولى قبل شهرين، ولا أزال أعاني الأمرين والألم لعجز المعلومات لاستكمال كتاب “آل جستنيه وإخوتهم”، ولا زلت أدون وأوثق معلومات أخرى ستضمنها كتاب جديد بمشيئة الله قريباً.

لعل لهذه الكلمات صداً أخوي لدى الدكتور حمود بن علي أبو طالب، والأستاذ عبده خال، وبقية الأحباب لتتظافر الجهود لتحقيق الأهداف المنشودة، وتوثيق المعلومات والوثائق المدسوسة.

معذرة على المداخلة. أطيب تمنياتي.  حرر في 27/04/1440هـ، 03/01/2019م.

همسة “النادي الجامعي”

كتبت في مقالات سابقة عن بعض الأنشطة المدرسية الثقافية المختلفة، “همسة عن ثلاثية الشخصية” و “همسة عن بعض الأنشطة“. وبينت مدى الحاجة الماسة لها للطلاب والطالبات حتى نهاية المرحلة الثانوية.

موضوع اليوم عن “النادي الجامعي” لجميع الكليات وما يمكنه أن يقوم به من دور فاعل في مجالات شتى، خاصة إذا تحقق حلم الأنشطة في المراحل الدراسية السابقة، والتي أشرت إليها أعلاه.

كان في أيامنا عدد الجامعات في المملكة اثنتان (كلية الشريعة ومعهد المعلمين في مكة المكرمة وجامعة الملك سعود في الرياض) ورغم ذلك كانت تتبارز علمياً وثقافياً. كانت هناك مسارح وحفلات أسبوعية وسنوية، وشهادات تقدير وهدايا رمزية تشجيعية، ورحلات طلابية جامعية متنوعة الأهداف، وأندية ثقافية متعددة التخصصات، ورياضية متنوعة، ومنافسات بريئة على البطولة وغيرها.

 أخذ عدد الجامعات يزداد وتتوسع في التخصصات حتى أصبح لدينا أكثر من ثلاثين جامعة في المملكة محرومة -يا لطيف- من معظم الثقافات وما جد عليها من معلومات، والتي يفترض أن تكون هي منبعها، ولا يزال كثير من خريجيها غير ملائمين لمسيرة التنمية المستدامة، تمتلك كل منها مساحات شاسعة من الأراضي دون الاستفادة منها، رغم أن هناك العديد من وسائل الاستفادة منها مادياً ومعنوياً وثقافياً ومجتمعيا.

عدد طلاب كل جامعة قد يفوق المائة ألف طالب وطالبة (100,000) وعدد أعضاء هيئة التدريس والإداريين وبقية العاملين أيضا آلاف أخرى، ولذلك يطلق على مجمعها المدينة الجامعية، لكنها الخالية من مقومات الحياة الاجتماعية والثقافية لعدم توفر مقومات الثقافة الحقيقية والاكتفاء بالتعليم النمطي، أو التلقين، وما أن ينتهي العام الدراسي حتى يتبخر ما قد كان من معلومات.

معظم المحاضرات تسبقها أو تليها ساعات فراغ تضيع هدراً على الطلاب والطالبات، وتخسر فيها الجامعة الكثير، وما قد يوجد من بعض تلك الأنشطة في بعض الجامعات لا يحقق الأهداف المنشودة ولا يواكب عصر التطورات التكنولوجية الحديثة.

لو فكرت الجامعة في إنشاء “النادي الجامعي” داخل الحرم الجامعي بإحدى الطرق الحديثة للاستثمار والمزودة بكل المتطلبات، أو بأغلبها على الأقل لحصدت الكثير جداً، منها على سبيل المثال، توثيق العلاقة بين الجامعة وجميع منسوبيها والمنتسبين إليها، والقدرة على مزيد من العناية بجيل المستقبل، والدور الكبير في سد الفجوة بين الطلبة والطالبات والأساتذة ضمن الضوابط الشرعية وتحويل علاقتهم لعلاقة أبوية بدلا من حالها الحزين، والاستفادة من الخبرات العلمية والثقافية والمجتمعية، وتشجع الأساتذة على قضاء أكبر وقت في النادي، وإتاحة الفرصة للطلبة لمناقشتهم وفهم ما يغفل عنهم من المعلومات، وسيساهم كثيراً في الاستفادة من الأوقات المهدرة بين المحاضرات فيما لا جدوى منه، وسيحافظ على المستوى التعليمي والأخلاقي، ويفتح المجال للعديد من الأنشطة الثقافية المختلفة، واتساع مجال المنافسات البريئة، والمسابقات المحلية والدولية، وحصد الميداليات العالمية، ولأثمرت جيلاً أكثر علماً، وأوسع ثقافة، وأفضل أخلاقاً، وأَعَمَّ إبداعاً، وأشد تميزاً، يواكب برامج الرؤيا 2030م، ويسلك مسيرة التنمية المستدامة، ويصل للعالمية.

هل من أمل في تحقيق ذلك!! أتمنى أن أرى ذلك قريبا!!!

والله وَلِيُّ التوفيق.

حرر في 15/07/1443هـ، 16/02/2022م.


 [IJ1]

همسة “عن تطورات طرق حل الخلافات وفض المنازعات[1] (1)”

نسير اليوم في تعايش اقتصادي متناغم بسبب تلك التطورات المتلاحقة التي تتطلب التطوير الفكري والتنظيمي والإداري، فالمحاكم المتخصصة للقضايا المستحدثة والمتنوعة ستوفر عائداً اقتصادياً كبيراً لا ينحصر في الجانب المالي فقط، بل ستتعاظم معه هيبة القضائيان العام والخاص وستزداد الثقة بهما، ناهيك عن عامل الزمن وتوفير الكثير من الجهد لحسم كثير من تلك القضايا الاقتصادية العالقة والشائكة في دهاليز القضاء العام.

        الاستثمارات بكل أنواعها واختلاف درجاتها تمثل كماً كبيراً وكيفاً عظيماً ونظرة واسعة بأساليب متعددة تحقق الأمن والسلامة والعدل والعدالة والمساواة لجميع الأطراف التعاقدية.

        الصلح والتوفيق والتحكيم، أحد وسائل التعامل المدني في المجتمع القديم في العصر الجاهلي، وهو قضاء خاص. القضاة والمحكمون فيه ليسوا تابعين للسلطة القضائية بالدولة، ويحق لأطراف النزاع اختيارهم أو عدم قبولهم. أقر الكثير من قواعده وقوانينه الدين الإسلامي في عدة آيات منها، قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} الآية (58) النساء، وقوله تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} الآية (128) النساء. وقوله تعالى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الآية (10) الحجرات، دون تفرقة ولا قبلية ولا طبقية، وطبقه الكثير في المجتمع الحديث وخاصة العربي، إذ لا يزال ساري المفعول والتفاعل في كثير من القضايا والخلافات وخاصة الأسرية والقبلية، والتجارية أحياناً عن طريق حكماء أو وجهاء الناس الموثوق بأمانتهم وعدلهم وحكمتهم، وفقاً للقواعد والأعراف شبه المتشابهة، مع بعض الاختلافات في العادات والتقاليد المتبعة في كل مجتمع.

        التطورات المتلاحقة على المجتمعات الدولية وكثرة التخصصات وتنوع الأعمال أدى للكثير من القضايا المتشعبة، وأقحم القضاء العام -السلطة القضائية المرتبطة بالدولة- في كثير من الهموم والمسؤوليات، وأطال دهاليز المحاكم العامة، فبرزت الحاجة الملحة للعودة للطرق القديمة في حسم الخلافات وفض المنازعات وإدخال التطورات المناسبة عليها لتتوافق مع عصرها، فبدأت عمليات تطوير للقواعد وتنظيم الأسس وتوثيق الخلافات والقضايا وحفظها في سجلات خاصة وتطوير بنودها ومفاهيمها لتواكب العصر.

حظيت التطورات الحديثة لطرق حل الخلافات وفض المنازعات مكانة عالية وموقعاً بارزاً في الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي، وما يشهده العالم منذ ما يزيد عن نصف قرن من حراك فقهي وتشريعي شرعي وقانوني لتنظيم تلك التطورات ضمن اطار ملاءم وأدوات فاعلة تحقق العدالة وتصون حقوق جميع الأطراف على حد سواء حتى أضحت أمراً ملحاً لتلبية متطلبات الكثير من الأعمال الحديثة التي لم تعد المحاكم العامة قادرة على التصدي لها بشكل منفرد.

        الصلح والتوفيق والتحكيم قضاء خاص يستمد صلاحياته من موافقة أطراف النزاع عليه وفقاً للشروط الأساسية والقواعد العامة المتعارف عليها، وهي النزاهة والعدالة والمساواة والأمانة وما يندرج تحتها من شروط وإجراءات تكميلية، وهو قضاء نافذ عالمياً في كثير من دول العالم وبعض الدول العربية، وله مؤسسات خاصة غير حكومية، تُقِرُّه كثير من الدول وتساهم في تنفيذه بالقوة الجبرية إذا تطلب الأمر ذلك وفقاً للاتفاقيات الدولية والإقليمية.

        نشر ثقافة الصلح والتوفيق والتحكيم في المجتمع وتطبيق قواعده وأسسه في العقود الخاصة والالتزامات العامة يساهم في التغلب على الكثير من الخلافات، ويوضح العديد من النقاط المتفاوتة المفاهيم محلياً أو دولياً وفقاً للنظام المتفق عليه ونظام الدولتين التي يجري فيها التحكيم أو تنفيذه.  

        أقسام التوفيق والتحكيم الرئيسية تتضمن الأُسري والطبي والتجاري بكل تخصصاته، والهندسي والفني بشتى مجالاته، ولكل منهم قوانين خاصة ولوائح متجددة وأعراف مختلفة، ومحكمين متخصصين على مستوً عال من الخبرة والكفاءة العلمية والمهنية.

        التوفيق والتحكيم عدة أنواع، له أقسام رئيسية وفرعية، وله العديد من المزايا والدوافع لاستخدامه واللجوء إليه عوضاً عن القضاء العام، ويحتاج لخبرة واسعة ومعلومات كثيرة وكفاءة عالية، وحكمة جيدة وحنكة ممتازة، خاصة إذا كانت القضية كبيرة، أو أوجه الخلاف والنزاع فيها متشعبة.

        الهدف من إنشاء مركز أو مقر خاص يرعى تلك التطورات لفصل الخلافات وفض المنازعات بطريقة تتناسب مع الأنظمة القضائية والقواعد القانونية وتستفيد من الأعراف والتقاليد المتعارف عليها وفق أسس بينة ومفاهيم واضحة، وجمع الكفاءات والخبرات المتخصصة في مجالات متعددة تحت مظلة واحدة، والمساهمة في مساعدة القضاء العام بالقضاء الخاص، وتخفيف الضغط عنه، وتيسير الأمور على المتنازعين، وحسم المنازعات مهما كبر حجمها أو تشعبت تخصصاتها في زمن قياسي، بكفاءة عالية، وقناعة تامة.

        يعتبر دار القرار (مركز التحكيم التجاري لدول الخليج العربية) أحد هذه المراكز المهمة التي أنشئت من أجل ذلك، ويختص المركز بالنظر في المنازعات التجارية بين مواطني دول مجلس التعاون، أو بينهم وبين الغير، سواءُ كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معتبرين في المنازعات التجارية الناشئة عن تنفيذ أحكام الاتفاقية الاقتصادية والقرارات الصادرة تنفيذا له، إذا اتفق الطرفان كتابة في العقد، أو في اتفاق لاحق على التحكيم في إطار المركز.

        نلتقي إن شاء الله في مقال آخر لنكمل فيه ما بدأناه[1].       

ملاحظات:

  1. تم نشر نص هذا المقال عام 1434هـ، 2013م.
  2. سبق نشر معلومات إضافية عن القضاء الخاص في مقالة سابقة عام 2009م، تحت عنوان “اتقان الوسائل البديلة” وهي موجودة في الموقع. 
  3. من الممكن استكمال البحث والكتابة في هذا البحث.
  4. من يرغب في التفاصيل يمكنه الرجوع لمطبوعاتي الثلاثة من “موسوعة القضاء والتحكيم” أو الكتب المماثلة أو المختصين. 

[1] لم يتم مواصلة التدوين في المجلة لهذا البحث. 


[1] تم نشرها في مجلة الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة العدد (18) مارس 2013م، ربيع الثاني 1434ه، صفحة (42).