إبراهيم بن حسين جستنيه

دراسة تحليلية عن صلاة الخسوف

والكسوف والتراويح والتهجد

طُرِحَِ نقاش على إحدى منصات الواتس آب، حول احتمالية حدوث خسوف للقمر بالتزامن مع موعد صلاة التراويح لمساء يوم الجمعة 14/09/1446هـ، 15/03/2025م، ليلة السبت.

      كان النقاش -وُدِّي وجميل- عن مدى إمكانية تأجيل صلاة التراويح عن موعدها، أم تقديمها على صلاة الخسوف! أم الجمع بينهما في صلاة ركعتين من التراويح.

           اختلفت الإجابات، وهذا الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، إلا أن هناك قواعد يجب مراعاتها عند أداء تلك الصلوات.

بعد الدراسة بنظرية التدبر والتحليل والمقارنة، نلخصها فيما يلي:

1-   صلاة خسوف القمر، إذا اختفى القمر، سواء ذهب نوره كله أو بعضه، يُنادى (الصلاة جامعة) ويصلي الناس جماعة، وهي سنة مؤكدة يؤجر فاعلها، ولا يؤاخذ تاركها.

السنة أن يصلي المسلمون ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان. القراءة جهراً[1]، الفاتحة وسورة أو آيات من أي سورة في الركعة الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد، بل يقف ويقرأ مرة أخرى الفاتحة وسورة أو آيات أخرى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يصلى الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم.

2-   الخسوف الناري[2] أو الدامي[3]، إذا تحقق الشرط يعتبر خسوف وتقام على أثره صلاة الخسوف، أو الكسوف وفق الحالة. والله أعلم.

صلاة الخسوف لها طريقة خاصة لأدائها -كما هو مبين أعلاه- لا تطبق في أي صلاة أخرى لا نافلة ولا فريضة، لذا لا يمكن الجمع بينها وبين أي صلاة نافلة أو فريضة أخرى، بل تؤدى بذاتها وفق حالها وفي وقتها. والله أعلم. 

صورة رقم (1) مراحل الخسوف للقمر في 14 مارس 2025م. صحيفة سبق 

2-   صلاة كسوف الشمس: إذا اختفي ضوء الشمس كلياً أو جزئياً -ليس بسبب الغيوم- ينادى (الصلاة جماعة) وتكون طريقة أداء صلاة الكسوف كأداء صلاة الخسوف.

3-   صلاة التراويح سنة تطوعية كغيرها من السنن. لم تكن تقام جماعة في المسجد في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هي نافلة تطوعية للتقرب -لله سبحانه وتعالى- وعمل محمود ومحبذ. تقام في الحرمين الشريفين وفي غالبية المساجد في العالم الإسلامي.

اعتاد الناس على قيامها أو تأديتها بعد صلاة العشاء وسنته بشكل منتظم ومنظم، طوال شهر رمضان المبارك، في جماعة بالمساجد بآيات من    القرآن الكريم لعدم الإطالة، أو بجزء منه موزع على عدد الركعات لكل ليلة، ويُحْتم بها المصحف، وفي آخر ليلة يُقرأ دعاء ختم المصحف[4].

صورة رقم (2) أنموذج لدعاء ختم القرآن في مصحف مكة المكرمة، ومعلومات عن السور

لا يوجد ما يمنع من أداءها منفرداً وفق الظروف الزمانية والمكانية.

      البعض من الناس يصلونها في البيوت بقصار السور أو ببعض الآيات مع أفراد الأسرة، الصغير قبل الكبير، لتدريب وتشجيع الأطفال على حُب الصلاة، وتعليمهم طريقة أداءها، وكيفية المحافظة عليها، وتعودهم على حفظ تلك السور والآيات القصيرة التي يتلوها جدهم أو والدهم ويكررها على مسامعهم طوال الشهر.

هي خطوة ممتازة، وقدوة حسنة، وكسب ثواب عظيم، ومنافع متعددة ومفيدة، وترغيب محبذ، خاصة لو اقترن بما يبعث السرور والسعادة في نفوس الأطفال، كالتشجيع المعنوي وشيء من الحلوى أو المداعبة اللطيفة.

الكثير من الناس اعتبروا صلاة التراويح خاصة برمضان مجازاً وليس حكماً. هي سنة تطوعية وتقرب للواحد الأحد، وحرص على كسب الفرصة، يؤجر فاعلها، ولا يؤاخذ تاركها، أقلها ركعتان ولا حدود لعددها.

اعتاد الناس على أداء (10-20) ركعة لصلاة التراويح في ليالي رمضان، -بتوفيق الله سبحانه وتعالى- تتبعها صلاة الوتر، والبعض يؤجل صلاة الوتر للثلث الأخير، بعد صلاة التهجد.

4-   مسمى صلاة التراويح: يتغير الإمام في المسجد للاستراحة ومنح فرصة للآخر، ويتم أخذ بِضْعِِ دقائق من الراحة بعد التسليمتين للإمام وللمصلين، خلال فترة أداء صلاة التراويح، ربما لذلك سُميت بهذا الاسم الخاص أو المتميز (التراويح). البعض من المصلين ينصرف بعد التسليمتين الأولى، والبعض يُكمل مع الإمام، كُلٌ بحسب ظروفه.  

وقد أرى -من وجهة نظري الشخصية- أنها سميت بذلك الاسم الجميل (التراويح) لأنها تساعد على التقرب -لله سبحانه وتعالى- وتريح القلب، وتطمئن النفس، وتسر الخاطر، وتوحي بالطمأنينة، سواءٌ أديتها في جماعة أو منفرداً، وإن كانت الجماعة أفضل لو كنت فرداً.

5-   وقت صلاة التراويح: هي سنة كما أسلفنا، واسمها مجرد مسمى اصطلاحي لها، وقد ينتهي وقتها وفق مسماها بحلول الثلث الأخير من الليل لوجود مسمى آخر لصلاة تطوعية أخرى يدعونا لها رب العزة والجلال ويعدنا خلالها بالكثير وهو صاحب الجود والكرم، إنها صلاة التهجد.

لذلك، صلاة التراويح ليست قاصرة على شهر رمضان، ويمكن لأي شخص أن يصلي من السنن ما يشاء خلال الأوقات المسموح فيها بصلاة النوافل -بعد توفيق الله تعالى له- منفرداً أو في جماعة في أي يوم أو ليلة من السنة، دون مسماها، فليس لصلاة النوافل عدد محدد، فصَلِّ ما شئت، فهي عبادة وتقرب -لله سبحانه وتعالى- يمكن أداءها بتوفيقه تعالى.

ولذلك أيضاً، يقدم أداء صلاة الخسوف على أداء صلاة التراويح إذا صادف وقت أدائها خلال وقت صلاة التراويح.

أما النوافل الموسومة (كصلاة الشروق والضَّحَىَ، والسنن القبلية والبعدية) فالأفضل أن تصلى في أوقاتها.

6-   عملية تأجيل الآذان وصلاة العشاء عن موعده لمدة نصف ساعة في رمضان، ليس فرضاً ولا واجبا، بل هي عملية تيسير وتسهيل وإعطاء فرصة أوسع لراحة الصائمين بعد الإفطار.

لا حرج ولا خطأ من أداء صلاة العشاء متى ما حان دخول الوقت[5] دون التأجيل، ويستحب أداء صلاة التراويح بعدها، ولا ضير في تأخير بعضها أو تأخيرها إلى ما قبل منتصف الليل، أو الثلث الأخير من الليل، ولا يوجد ما يمنع من جمعهما في التهجد إذا لم تُكْسَ بالمسمى الاصطلاحي (التراويح).               

4-   صلاة التهجد أيضاً نافلة، سنة تطوعية كغيرها من السنن، لم تكن تقام جماعة في المسجد في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

هي طاعة ولجوء -لله سبحانه وتعالى- وعمل محمود ومحبذ، تقام في الحرمين الشريفين وفي غالبية المساجد في العالم الإسلامي خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.

صلاة التهجد بشكل عام، ليست قاصرة على شهر رمضان المبارك فقط، ولا على العشر الأواخر منه، بل الترغيب على أدائها طوال العام شديد ومحفز لقوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)} سورة الإسراء. 

يمكن أداؤها منفرداً أو في جماعة مع بعض أفراد الأسرة في المنزل.

وهي ليست محددة العدد، فصَلِّ ما شئت، فهي عبادة وتقرب -لله سبحانه وتعالى- يمكن أداءها بتوفيقه تعالى.

تقام في الثلث الأخير من الليل في لحظات التجلي الإلهي والحث على اللجوء لله سبحانه وتعالى، لما ورد في الحديث الشريف [يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له! مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ! مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له!][6].

هنيئاً لمن يلبي هذا النداء ويحظى بالإجابة، جلنا الله وإياكم منهم.

صلاة الوتر: هي أيضاً نافلة، ويبدأ وقتها من بعد صلاة العشاء حتى آذان الفجر،

لحديث أمّ المؤمنين السيدة عائشة -رضيَ الله عنها- قالت (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قدْ أَوْتَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ)[7] ويُوصى بها.

[هي ثلاث ركعات، يتشهد بعد الثانية، ويقرأ القنوط بعد القيام من الركوع في الثالثة، أو ركعتان مستقلة ثم ركعة مستقلة مع دعاء القنوط، أو ركعة واحدة مع دعاء القنوط][8].

يستحب أن تكون بعد أداء صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل أياً كان عددها، وفي أي ليلة من ليالي السنة.

الفرق بين صلاتي التراويح والتهجد:

           لا تختلف صلاة التراويح في الأداء والمفهوم العام عن صلاة التهجد. كلاهما سنة، أو عبادة وتضرع لله سبحانه وتعالى، غير مقيدة العدد، وتخضع للقاعدة العامة لأداء الفريضة، وهي بتوفيق الله تعالى.  

           الفرق بينهما، أن الأولى اعتاد الناس على أداءها جماعة في المسجد بعد صلاة العشاء في رمضان فقط، ووسموها بمسمى اصطلاحي (التراويح) والثانية اعتاد الناس على إقامتها أو أدائها في الثلث الأخير من الليل جماعة في العشر الأواخر من رمضان بالمساجد مع القليل من الاطالة.

           ويمكن أن يصلي  من -يوفقه الله سبحانه وتعالى- صلاة التهجد في جماعة بأهله أو فراداً في المنزل في بقية ليالي العام أيضاً.  


[1] القراءة جهرية لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها في الصحيحين “جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته”.

[2] اختفاء الضوء الجزئي او الكلي يعتبر خسوفاً أو كسوفاً بحسب الحالة.

[3] وردت عنه تفاصيل وصور واضحة بصحيفة الجزيرة في 25/5/2021م كذلك راجع صحيفة العربية نت 11 مارس 2025م

[4] غالباً يوجد انموذج لذلك الدعاء في أغلب المصاحف، كذلك توجد معلومات كثيرة مفيدة عن السورة، مثل مصحف مكة لمكرمة المرفق صورته

[5] الوقت لزمني بين صلاتي المغرب والعشاء (90) دقيقة، أي ساعة ونصف يمكن بعدها أداء صلاة العشاء في أي ليلية من العام.

[6] الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري

[7] رواه مسلم في صحيحه. وقد وردت عدة روايات عن كيفيتها، وكلها جائزة.

[8] ورد في عددها عدة روايات، وأياً كان العدد فهي جائزة بإذن الله تعالى.

همسة “التهنئة بعيد الفطر المبارك لعام 1446هـ”

إخواني وأخواتي الكرام

       الحمد لله، متعنا بشهر الصوم وما فيه من الفضائل، ورزقنا ليلة القدر، وهذا عيد الفطر يلوح بزوغ هلاله بعد ساعات قليلة.

نسأل الله الكريم أن يكون قد قبلنا، وتقبل منا الصيام والقيام وطلب الرحمة والرضوان، وأن يكون راضياً عنا، وأن يجعلنا بالوالدين رحيمين راضين ومرضيين، وللمسلمين داعين، وأن يديم علنا حسن توفيقه، والمزيد من شكره والثناء عليه.

فهنيئاً لنا جميعاً على هذه النعم العديدة.

والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله إلى يوم البعث.

كل عام وأنتم في أتم الصحة والسعادة والرضا من الحي القيوم

همسة ل “وتزودوا”

مدافع شهر الرحمة والغفران

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله حتى يرضى الله.

أشكر المنصة الثقافية والقائمين عليها ومقدمي برنامج “وتزودوا” على اتاحة هذه الفرصة السعيدة لنلتقي معاً في هذه المناسبة السعيدة من شهر رمضان لعام 1446هـ، لنسترجع معاً القليل من الذكريات الجميلة القديمة التي كانت تحدث عند بزوغ هلال شهر الرحمة والرضوان.

كانت تحيط بالمسجد الحرام حتى بداية عام 1375هـ، (13) حي أو حارة ببرحاتها وأزقتها ومنعطفاتها الكثيرة، يقطنها أهالي مكة المكرمة وضيوفهم الكرام من الحجاج والمعتمرين والزائرين والمقيمين.

كان منزل الولد يرحمه الله في شارع المسعى أمام باب السلام الكبير.

تمعن في الصورة الخلفية وتجول فيها بخيالك لتعيش تلك اللحظات الروحانية الجميلة، والسعادة الطفولية العجيبة التي كنا نستشعرها آنذاك.  

الصورة منقولة مع التصرف للتوضيح والتخيل. المسعى المدخل الظاهر في الواجهة هو الشارع الأول من سويقة في اتجاه المروة، قبله باب السلام الكبير، وأمام باب السلام يقع منزل الوالد -يرحمه الله- حيث كان التجمع

لم يكن في زماننا جوال ولا إنترنت ولا دش ولا تليفزيون ولا حتى مذياع (راديو) إلا عند القلة من الأثرياء وبعض المسؤولين في الدولة، حتى الكهرباء لم تكن متوفرة إلا في المسجد الحرام ولدى القليل من الأثرياء، ثم المسعى، ثم بدأت في بعض المحلات التجارية لفترة ما قبل المغرب وحتى بعد صلاة العشاء.

الحمد لله- يمن علينا بصيام هذا الشعر الفضيل وقد بلغنا من العمر عتيا.

       عندما كنا أطفالاً، كانت الدنيا لا تسعنا من الفرحة والسعادة عندما نسمع المدافع تطلق (21) طلقة معلنة دخول شهر السعادة والحنان.

       ننزل في مجموعات لشارع المسعى نهلل ونكبر، يردد الفريق الأول النصف الأول من هذه الأنشودة، ويجيب عليه الفريق الثاني بالنصف الثاني منها

هَلِّ هلالك يا رمضان            #     يا شهر المحبة والغفران

هَلِّ هلالك يا رمضان            #     يا شهر السعادة والإحسان

هَلِّ هلالك يا رمضان            #     يا أبو الشربة والقدحان

هَلِّ هلالك يا رمضان            #     يا مصلح النفس والإنسان

       نتجول في أزقة الحارة مرددين ذلك والسعادة لا تسعنا، كل أبناء حارة في حارتهم

إذا كان شعبان كامل تنطلق المدافع قبل الغروب بساعة تقريباً، وإذا لم يحسم، نظل ننتظر انطلاقها بفارغ الصبر.

       أصبحت تلك المدافع في عالم النسيان، وتلك الأحياء داخل توسعات المسجد الحرام.

       أتمنى للجميع صياماً مقبولاً وسعادة وصحة وحسن شكر.  

تمت إذاعتها ونشرها بدون الصورة على المنصة الثقافية وبقية المنصات الإلكترونية الأخرى يوم 26/09/1446هـ، 26/03/2025م، ليلة 27/09/1446هـ.

تم نشرها في الموقع يوم 27/09/1446هـ، 27/03/2025م.

همسة “ليلة القدر”

يتمز شهر رمضان المبارك بجمع العديد من المكرمات والفضائل، كغزوة فتح مكة المكرمة، وغزوة بدر، ونزول القرآن، وليلة القدر.

       قال تعالى {شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان*} الآية (185) سورة البقرة.

قال تعالى {إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ* (5)} سورة القدر.

وعنْ السيدة عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَا، قَالَتْ[1] [كانَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجاوِرُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رمضَانَ، ويَقُول “تحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ”] متفقٌ عَلَيْهِ.

نزول القرآن وليلة القدر من أكثر الفضائل والمكرمات التي اختص -الله سبحانه وتعالى- بها هذا الشهر الفضيل.

هو فرصة استثمارية كبيرة جداً خصنا بها الكريم لنعود إليه، ونسأله من فضله وكرمة بما هو أهل له، وهو سبحانه وتعالى في غناً عنا، لكنه رؤف رحيم، يؤجل العقاب ويمنح الفرص للتوبة والعودة للصواب.

لم يبق لنا عذر، ولا ذريعة لنكون بعيدين عنه بعد كل هذه العطايا والمنح الإلهية.

انقضي نصف الشهر، فهيا بنا يا أخواتي وإخواني ندرك الباقي قبل أن يرحل، نجمع الصغار والكبار ونقف جميعاً بين يدي الكريم، نطرق بابه مستعينين به، متيقنين من عفوه، مستجيرين بشفيعه، نسأله من فضله أن يجود علينا بحبه ومحبته ومحبة حبيبه، ولا نغادرها حتى يأذن لنا بالقبول والدخول، وشرب الماء من الحوض بيد شفيعه وحبيبه صلى الله عليه وسلم حتى يرضا.  

وكل عام وأنتم في أتم الصحة والعافية والسلم والسلامة.


[1] لها رضي الله عنها عدة أحاديث في ذلك. راجع الأحاديث.

همسة “شهر القرآن والغفران”

قبل بضعة أشهر، ودعنا شهر التسامح والمحبة والسعادة ونحن واثقين من كرمه وقبوله -سبحانه وتعالى-

خلال أيام قليلة قادمة -بمشيئة الله تعالى- سنستقبل رمضان آخر، إذا قسم الله لنا فيه أجلاً، بعد أن أمضينا بضعة أشهر من سنته، سيكون فرصة جديدة، ومنحة إلهية عظيمة لنا وقد بلغنا من العمر عتيا.

يعود علينا رمضان المبارك هذا العام 1446 هجريه ونحن بفضله تعالى ننعم بالصحة والعافية وحسن الشكر، وقد تعلمنا أشياءً كثيرة من الحياة، واكتسبنا بعضاً من المعلومات والخبرات المتنوعة، ومرت بنا العديد من التغيرات الحسنة والمحبة المتبادلة، والمتغيرات المتنوعة، وتجاوزنا كماً جيداً من الهفوات والمواقف الصعبة بثقة في -الله سبحانه وتعالى- ومدد منه.

فهياً بنا معاً يا أخواتي وإخواني، يساند بعضنا البعض، نستثمر نهاره بالذكر وتلاوة القرآن، وجمع أهل الدار والصلاة بهم جماعة حتى يتعلم الصغار من أفعال الكبار، والسعي في أوجه الخير، وفي العديد من الاشياء الجميلة والتخطيط القيم، وصيامه إيماناً واحتسابا، وإشعاع ليليه بكثرة التقرب -لله عز وجل- وإقامة صلاتي التراويح والقيام، وكثرة السجود والتضرع له سبحانه وتعالى، ونكون عبيداً شاكرين، به مستجيرين، وبحبيبه مُشَفَّعِين، وعلى هديه سائرين، وفي عفوه وكرمه طامعين.

تذكرت بعض العبارات القديمة التي كنا نرددها في طفولتنا ليلة بزوغ هلاله علينا:

   هل هلالك يا رمضان    #      يا شهر المحبة والغفران

هَلِّ هلالك يا رمضان        #      يا شهر السعادة والإحسان

هَلِّ هلالك يا رمضان        #      يا أبو الشربة والقدحان

هَلِّ هلالك يا رمضان        #      يا مصلح النفس والإنسان

أهلاً وسهلاً ومرحباً بك يا أعز ضيف، وأفضل شهر، وكل رمضان والجميع في خير وصحة وعافية، وصلاح حال، وراحة بال، واطمئنان نفس، وصدقِ يقينٍ في العزيز العليم.

نسأله تعالى أن يوفقنا لإصلاح كل ما اعوج من أمورنا، وأن يبارك لنا في ما يعطينا، وألا يكلنا لسواه، وأن يبارك لنا وعليا وفينا، ويرزقنا الذرية الصالحة. 

والحمد والشكر -لله- حتى يرضا، والصلاة والسلام على حبيبه ومصطفاه إلى يوم اللقاء على الحوض.

همسة “رسالة إبداع” 2

إخواني وأخواتي الأعزاء                               يحفظكم الله

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته 

أنتهز فرصة قرب بزوغ هلال شهر الرحمة والقران، لأقدم لكم أخلص التهاني وأطيب الأماني، سائلاً المولى أن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يتقبله منا بعفوه وكرمه، وأن يعيده علينا وعلى جميع المسلمين بخير وعافية وسلام وأمن وأمان.  

إلحاقاً لرسالتي الأولى قبل أيام، بخصوص فكرتي الجديدة عن إهداء أو تبادل الكتب الفائضة عن حاجتك لينتفع بها الآخرون.

أضيف أنه في حالة عدم توفر كتب فائضة لديك، فيمكنك أن تُهدي بعضاً من مؤلفاتك أيضاً لو كنت كاتباً أو مؤلفاً، مساهمة منك في تعزيز الفكرة ونشر العلم والثقافة، فالعلم بحور عميقة لا يمكن لأحد من البشر أن يستوعبها مهما كان عالماً أو مثقفاً أو متعلما، قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا*} الآية (85) سورة الإسراء.

بإمكانك إرسال مندوب لاستلام الكتاب الذي تختاره من القائمة -ما لم يكن قد نفدت الكمية الموجودة.

أكرر جزيل شكري، ولا تنسونا من دعواتكم، وخاصة في السحر وفي المناسبات.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين إلى يوم الدين 

أخوكم المستشار إبراهيم حسين جَسْتَنِّيَه

18-  تراث مكة المكرمة في القرن (14هـ) عبد الله محمد أكبر. ط2، 1430هـ، 2009م (1-2)*.

 19- الآثار المكية من خلال مدونات الرحالة والمغاربة والأندلسيين. القرن (6-10) دراسة تاريخية وصفية. د. إبراهيم عطية السلمي.

20-  السدانة (الحجابة) للكعبة المعظمة قبل الإسلام. دراسة تاريخية حضارية.

       د. أحمد محمود صابون، د. رشاد محمود بغدادي.

21-  النقود المتداولة في مكة في العصر العثماني حتى نهاية القرن (12هـ، 18م).

       د. أحمد محمد يوسف.

22-  الظواهر الطبيعية والآثار العمرانية في مكة*. د. سامح إبراهيم عبد العزيز.  

23-  الإثنينية مرور (25) عاماً. 1403-1428هـ، (1-10)

24-  الإثنينية 1429هـ، 2008م، (1-2)

25-  الإثنينية 1432هـ، 2011م، (1-2)

26-  مشواري على البلاط، عبد الله عبد الرحمن الجفري، ج 8.

27-  الأعمال الكاملة للأديب عبد الله عبد الرحمن الجفري ج 7.

28-  المنتديات والأندية الأدبية في المملكة. عبد المقصود محمد سعيد خوجة

29-  الغربال، تفاصيل عن حياة الأديب محمد سعيد عبد المقصود خوجة. حسين عالق الغريبي، ج 2.

همسة “رسالة إبداع”

إخواني وأخواتي الأعزاء                                    يحفظكم الله

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته 

منذ الطفولة ونحن نهوى جمع أنواع الطوابع الدولية والمحلية والصور الشخصية والتذكارية، وكنا نتبادل الفائض منها بمحبه ووفاء، وطرق تقليدية.

توقفنا عن تلك الهوايات الجميلة والمفيدة مع مشاغل الحياة الطويلة والتي لا تنتهي.

اليوم وبمناسبة قرب انتهاء شهر شعبان الفضيل، وبعد تجارب عديدة، وخبرات متنوعة طويلة، ونِعَمْ لا تحصى ولا تعد من الكريم.

أَوَدُّ أن ابتدع لكم فكرة جديدة لم يسبق لأحد أن فعلها أو طرحها. فكرة طازجة، وهي عملية إهداء وتبادل الكتب الفائضة عن حاجتك لينتفع بها الآخرون[1] وتكون صدقة جارية لك إلى يوم القيامة.

لقد سبق أن كتبت عن موضوع الكتب والمكتبات عدتْ مقالات وقدمت بعض المقترحات، لا يزال بعضها في موقعي الإلكتروني، منها (لعشاق مكة المكرمة، طلب إنقاذ، سرور وسعادة) وغيرها، وطرحت فيها العديد من المقترحات.

كخطوه أوليه يمكن إعداد قائمة بأسماء الكتب الفائضة ومؤلفيها وتعميمها على الأصدقاء، أتمنى أن ينتفعوا منها بدلاً من هجرها أو تركها للفئران والآرضة.  

جزيل شكري وأطيب تحياتي وتمنياتي لكم، ولا تنسونا من دعواتكم، وخاصة في السحر وفي المناسبات.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين إلى يوم الدين 

أخوكم المستشار إبراهيم حسين جستنيه


[1] سواء أكنت مكررة، أو لم تعد تحتاجها، أو مكتبة لم يعد لها مكان في قلبك. يمكن أن تسقر في قلبٍ حنون، وقارئ بارع.

همسة “رسالة إبداع”

قائمة بأسماء الكتب الفائضة ومؤلفيها

القابلة للإهداء أو التبادل لحين نفاد الكمية

01-  جامع المصطلحات (القضاء العام والخاص، الفني والهندسي، الاقتصادي)

       المهندس الاستشاري/إبراهيم حسين جستنيه

02-  الوسائل البديلة لحل الخلافات قبل القضاء. الاستشاري/إبراهيم حسين جستنيه.

03-  التحكيم والخبرة الهندسية والفنية. المهندس الاستشاري/ إبراهيم حسين جستنيه

04-  تاريخ القضاء والقضاة في العهد السعودي (1344-1416هـ)* عبد الله محمد الزهراني. ط1، 1418هـ،

05-  الفواكه العدلية في المسائل المفيدة. الشيخ أحمد بن محمد التميمي الحنبلي (1-5).

06-  فهرست مخطوطات مكتبة الحرم المكي الشريف. (1-12)

07- الآجُرْ بمكة المكرمة. د. عدنان محمد الشريف، د. ياسر إسماعيل صالح.

08-  نيابة الأمير فيصل العامة في الحجاز. د. شيخة صالح شعيب

09-  غسيل الكعبة المشرفة في العهد السعودي. د. فهد عتيق المالكي

10-  المشاعر المقدسة عبر العصور. د. أميرة علي مداح ومجموعتها.

11-  قراءة في تاريخ أنظمة الحج والعمرة في صحيفة أم القرى. د. إيناس خلف الخالدي، د. محمد سعد الرحالة.

12-  المراسم والأوامر الملكية في رعاية مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العهد السعودي. إبراهيم عطية الله السلمي.

13-  الإضاءة في الحرمين الشريفين منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر المملوكي. د. صالح محمد الربعي.

14-  الموارد المالية لأمراء مكة المكرمة في العصر المملوكي. د. محمد هزاع الشهري.

15-  الطوافة منذ بداية القرن الثاني عشر الهجري إلى بداية العهد السعودي. د. عواطف محمد نواب.

16-  إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام مع تعليقه المسمى بإتمام الكلام. الشيخ عبد الله محمد الغازي المكي الحنفي. (1-7)*.

17-  التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم. الشيخ محمد طاهر الكردي المكي. بإشراف د. عبد الملك بن دهيش. ط3، 1435هـ، 2004م. (1-6)*

* نفدت الكمية.

18-  تراث مكة المكرمة في القرن (14هـ) عبد الله محمد أكبر. ط2، 1430هـ، 2009م (1-2)*.

 19- الآثار المكية من خلال مدونات الرحالة والمغاربة والأندلسيين. القرن (6-10) دراسة تاريخية وصفية. د. إبراهيم عطية السلمي.

20-  السدانة (الحجابة) للكعبة المعظمة قبل الإسلام. دراسة تاريخية حضارية.

       د. أحمد محمود صابون، د. رشاد محمود بغدادي.

21-  النقود المتداولة في مكة في العصر العثماني حتى نهاية القرن (12هـ، 18م).

       د. أحمد محمد يوسف.

22-  الظواهر الطبيعية والآثار العمرانية في مكة*. د. سامح إبراهيم عبد العزيز.  

همسة “تَذْكِير”

لله سبحانه وتعالى- في خلقه شؤون، فضل بعضهم على بعض، واختار بعضاً من بعضهم، وخص بعضهم بخصائص مميزة، توالى ذكر بعضها في الكتاب المبين، وبعضها في الأحاديث النبوية الشريفة.

       فضل بعض الأشهر، وبعض الليالي والأيام، وخصص بعضها بخصائص عجيبة.

       ساعات قليلة ويطل علينا شهر شعبان وهو ليس من الأشهر الحرم، إلا أن به العديد من الخصائص وردت في عدة أحاديث.

لا شك من أن أغلبنا يعرفها، لكن التذكير بها نفع مشترك، ومنافع شاملة، وعبادة خالصة، وطاعة مسلمة.

في هذه الوريقة، أحب أن ألخص بعضاً منها في نقاط، ويستحب فعلها لكسب المزيد من الأجر والثواب، فمنها:

01-  تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.

02-  يغفل الكثير من الناس عن كثرة الطاعة والدعاء خلاله.

03-  يستحب صيام أكثر أيامه.

04-  يستحب إخراج الزكاة خلاله، أو التصدق تقرباً لله- ومساعدة المحتاجين والفقراء.

05- يفضل كثرة الدعاء في ليلة النصف من شعبان، وصيام يومها، وقيام ليلها.

06- يتجلى فيها سبحانه وتعالى على خلقه بعموم المغفرة، وشمول الرحمة، وإجابة دعاء السائلين، والتفريج عن المكروبين، ويعتق فيها جماعة من النار، ويكتب فيها الأرزاق والأعمال، ويكتب فيها على كل نفس ميتة تلك السنة.

07- شهد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. قال تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ*}. الآية (144) سورة البقرة

وقد صلّى المسلمون متجهين إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً وثلاثة أيام، وكان قدومه المدينة المنورة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان وهو المشهور بين العلماء.

08- الشهر الذى نزلت فيه آية الصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهى قوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما*} الآية (56) سورة الأحزاب

 09- كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر صيامه، ويقول (أحب الصوم إلـي في شعبان) و (أحب أن يأتيني أجلى وأنا صائم).

10- عدم صيام يوم الشك، (آخر يوم من شعبان) هو اليوم الذي يُشَكُّ فيه هل هو من شعبان! أم من رمضان!!

اللهم كما بلغتنا رجب الحرام، فأكرمنا ببلوغ شعبان ورمضان، وزدنا يقيناً بك، ومحبة لحبيبك صلى الله عليه وسلم، والجميع في خير وأمان.

فضلاً يا إخواني وأخواتي، أكثروا من الحمد والثناء للواحد الأحد، ولا تنسونا من الدعاء.

نسأل الله العلي العظيم أن يتقبل من الجميع.

وكل عام ونحن وجميع المسلمين في خير وفضل كبير من الله تعالى.

همسة “الحنين للماضي والشوق للمستقبل”

تمضي بنا سنوات العمر ننتقل فيها من مراحل الطفولة لعدة محطات من الحياة المتنوعة، ومن فصول سنوات دراساتها المتدرجة حتى تقدمت بنا السنين، وبَلَغْنَا من العمر عتيا، ونحن في صحة وعافية وفضل كبير، ونعم لا تعد ولا تحصى -بفضل من الله سبحانه وتعالى- وقد ازددنا علماً، وحصدنا معرفة، واتسع فكرنا، واستوعب عقلنا العديد من الأحداث، وتنوعت الخبرات، وزادت الحنكة، وترسخت الحكمة.

كل يوم يمضي بنا نكون فيه أكثر فهماً ووعياً وإدراكا، وأوسع حنكة، وأدق حكمة.

اللهم علمنا ما ينفعنا في الدارين، وانفعنا بما علمتنا، ووفقنا لينتفع غيرنا مما تعلمنا.

مضت سنوات العمر تباعاً، ضعف خلالها القوي، واقترب البعيد، وتفرقت الجماعة، واشتعل الرأس شيبا، واكتست الذقن والشنب بياضا، وظهرت التجاعيد على جلد اليدين، واختل توازن القدمين، وضاقت الخطوة، ونحن في صراع مع مسيرة الحياة.

نبحث خلالها عن الأمان والصدق والوفاء، والابتسامة البريئة، والمحبة الصادقة التي كانت غالباً ما تغمر حياة أجدادنا وكان لنا منها نصيب، رغم ضعف إمكانياتهم، وقسوتها عليهم، وصعوبة معاملتها معهم، وأخذت تتلاشى من حياتنا تدريجياً كلما تعمقنا في عالم العولمة بعد أن ظهرت حقيقتها.

       نهيم في الحياة، وحولنا أبناؤنا وأحفادنا يملؤون علينا الحياة بهجة وسعادة، نسير معاً مع تطوراتها في حذر وتحفظ وانضباط بقدر المستطاع.

نواكب المسيرة بتوازن وحكمة، يرافقنا أحياناً بعضُ الأشقاء وبعضٌ من أبناؤهم، وقليلٌ من الأهل والأحباب والأصدقاء.

تارة نبحث بين سنوات عقودها عن قلوب نقية كقلوب الأطفال البريئة، التي تكاد تكون معدومة منذ أن حل علينا عصر التفكك الأسرى والحرية الزائفة، والدعايات الكاذبة، والشعارات الهدامة.

وتارة نبحث عن المحبة المتبادلة، والترابط الاجتماعي، والتكافل المجتمعي، والمسؤولية المشتركة، والقيم الضائعة، والعادات المحذوفة، والأعراف المنسية، والتقاليد المهجورة، والمبادئ المتناقضة.

وتارة أخرى نتمنى لو يعودَ بنا الزمان كما كان في عصرنا على الأقل، حياة مليئة بالمحبة المتبادلة والابتسامة العريضة، وهي طبعا لا تخلو من المتناقضات النسبية والتناسبية -سنة الخالق عز وجل في كونه-

كلما نظرنا حولنا في عصرنا الحاضر، يداعبنا الحنين للماضي البعيد، والأمس القريب، يؤرقنا الشوق الدفين بحثاً عما كان فيه من أيام جميلة قد انقضت ولن تعود، وسنوات طويلة قد انطوت وطوت معها أحداثاً كثيرة، وساعاتٍ عديدةٍ قد مضت.

كانت لا تغادرنا فيها الضحكات، ولا تنقطع خلالها الابتسامات، ولا تغيب عنها السعادة النسبية.

نشعر برغبة قوية وملحة، لو يعود بعضاً من تلك الأيام السعيدة دون قيود ولا مسؤوليات ولا هموم.

لكن، هيهات! هيهات!! فما يذهب من سنوات العمر بما حملته من أحداث متنوعة وحكايات مضحكة لن يعود.

إنما هي أمنيات الظمآن في الصحراء، المهرول نحو السراب.

كم يردد المريء منا بصوت مكتوم، وقلب مهموم ونفس ضائقة! وآهات طويلة! وشهيق عميق! وزفير شديد!!!! ليت تلك الأيام الخوالي، أو شيءٍ منها، يعود يوماً ما حاملاً بين طياته الكثير من تلك الذكريات الجميلة.

ما أجمل أيامها وما أحلى لياليها تلك! وما أكرم جيلها بعد -الله سبحانه وتعالى- عشنا لحظات فيها بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ بريئة، وكلمات عذبة، رغم ما كان فيها من قسوة وصعوبة.

ذاك لا يعني أننا لا نحب جانباً من الحياة المعاصرة وما فيها من تطورات تكنولوجية متنوعة وممتازة، بل نتطلع فيها لحياة معاصرة وفق المنهجية الصحيحة، ولا نزال نجاهد فيها لبناء مستقبل زاهر -بمشيئة الله وتوفيقه- قال تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ*} الآية (88) سورة هود.

نجاهد جهاداً يواكب المسيرة، ويحقق الأحلام، ويسعى للمزيد من الطموحات والرؤيا المستقبلية، ناظرين للأمل والطموح، دون يأس ولا خضوع، قال تعالى {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ*} الآية (87) سورة يوسف.

نسعى ونحن نتعم بنعم -الله سبحانه وتعالى- ونسجد شاكرين له على كل عطاياه وعظيم فضله، وعلى الحبيب نصلي حتى يوم الدين. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ*} الآية (172) سورة البقرة.

نتحفظ على الجانب الآخر منها، لقوله تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ*} الآية (10) سورة الشورى، وعلى ما قد يكون في أغلب الأحيان مختلف المنهج، متغير القيم، متباعد العادات، منعدم التقاليد، فاقد الأعراف، متذبذب المبادئ، متلون الأحوال وفق الحال، ونسأله أن يتداركنا بلطفه وإحسانه.

قلما كان يحدث ذلك في ذلك الماضي الذي كنا في ساعات قلائل منه!! حتى القريب منه!! بالرغم من نعته بالعصر الرجعي، ونعت معاصريه بالبسطاء، وهم كذلك في حياتهم وتعاملاتهم، وعلماء نسبة لزمانهم، ونعتهم بالجهلة، وهم بريؤون من الجهالة، والتاريخ حافل بتضحياتهم، والواقع برهان على منجزاتهم.

كلمات وعبارات كثيرات دفينة في أعماق قلبي من ذلك الماضي الممزوج بشيء من الحاضر، المتطلع للمستقبل، تفيض شوقاً، وتكتسي محبة، وتمتلئ بالأمل، وتشتعل بالطموح بين الحين والآخر، استشفها من قوله تعالى {نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى*} الآية (13) سورة الكهف.

أحاول تدونها كل ما فاضت من أعماقي، في “همسة، أو همسات” متتالية، ينطلق بها ذاك القلم التاريخي العريق سريعاً عوضاً عن لساني، ليناجي بها إحدى القصاصات القريبة، أو صفحة اللاب توب الحديثة، بشيءٍ من ما استتر عن الأسماع وغاب عن الأبصار، وحُجِبَ عن القراءة، يُرْصِدُها بلهفة وشوق، بألم الأعضاء، ووجع الجسد، ودم القلب، وجُرْحِ الفؤاد، أخفف بها عن نفسي شيئاً من عبئها الثقيل، وأضيفها لبعضٍ مما أرصده في أحد مطبوعات المجموعة، أو في همسات مثل “حُقْبَاتْ التَّنْشِئَة” و “ثلاثية الشخصية” و “متلازمة الزمن الجميل وجيل الطيبين” و “ذاك هو الإنسان” وغيرها من التي سبق أن نُشِرَت في الموقع، أو قد تنشر لاحقاً، أو أضيفها لما بالأرشيف من رقعات متنوعة الموضوعات، مختلفة التخصصات، انتظاراً لما قدر تسمح الظروف بطباعته، أو نشره على الموقع يوماً ما، إن كان في العمر بقية.

أُذَكِّرُ بها جيلي ومن عاصرنا، وأَتَذَكَّرَ بها أسلافنا ورفاقنا وأحبابنا وزملاءنا -يرحم الله من غادرنا منهم- ويبارك لنا في من بقي منهم.

أدعو لهم جميعاً من أعماق قلبي، وأشكرهم فرداً فردا على صحبتهم ومصاحبتهم، أو زمالتهم.

واستوحي من قوله تعالى {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِين*} الآية (120) سورة هود، فأتركها همسات على صفحات التاريخ، وذكريات وحكايات وعِبَرٌ للأجيال القادمة، تُذَكِّرهم بأمجاد أسلافهم، وتستنفر فيهم النخوة، فيترحمون عليهم ولا ينسوهم من الدعاء، فيشملهم معنى الحديث الشريف [إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ (إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له][1].

استنير بقوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ*} الآية (12) سورة لقمان.

فأتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للملك الديان على كل نعمه التي لا تحصى ولا تُعَدُّ، والحمد لله على كل حال حتى يرضى الله- ونسأله سبحانه وتعالى لنا ولهم ولجميع المسلمين الصحة والعافية، والعفو والرضا، ومصاحبة حبيبه عليه أفضل الصلاة والسلام للتمتع بالنظر لوجهه الكريم -سبحانه وتعالى-


[1] رواه أبو هريرة في صحيح مسلم.