إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة “ذاك هو الإنسان”!!

في فصل الربيع، تزدهر الأشجار وتتفتح الزهور ويفوح عبقها فتنتعش النفس بعطرها، وتبتسم الروح بجمال ألوانها، وتعلو الشفاه ابتسامات عريضة لرؤيتها متفتحة.

كذلك حال الإنسان في ربيع عمره، تكثر عنده الأمنيات، وتتوالد لديه الطموحات، وتتوالى عليه المغامرات، ويتسع مجال خياله، وتكثر تخيلاته.

في شتاء عمره يخلد لشيء من الهدوء والسكينة، أو الاستجمام والراحة النفسية، وتبدأ مرحلة الطمأنينة، أو محاولة التركيز على القراءة والكتابة والتدوين إن كان من عشاقها، أو لإحدى الهوايات الأخرى التي يحبها، أو يفقد وقته أمام شاشة التليفزيون يتجول بين قنواته، أو يستسلم للزمن في حزن وألم في انتظار لحظة الرحيل، وهذا شيء مؤلم ومؤسف للغاية.

في خريف عمره تطفو عليه الذكريات وتتوالى التنهيدات، ويسرح الفكر في خيال التصورات. في بعض الحالات يستطيع الجمع بين الربيع والخريف والاستنباط من جمالهما جمالا خاصاً يواكب حالته، يتمتع به كلما طرق باب قلبه الحنين لتلك اللحظات الجميلة التي قضاها، وفاحت أزاهيرها بعبيق الشوق، وتوالت في ذاكرته لقطات من الأحداث المتنوعة، منها الجميل والممتع والمضحك، ومنها الحزين والبائس والمُبْكِي، ومنها الأليم والجارح، وغير ذلك مما يجري على الإنسان في معترك الحياة من متناقضات لا مناص منها.

هي أشياء طبيعية تجري في فصول عمر الإنسان، وتخيلات خيالية للغني والفقير، للذكر والأنثى، للكبير والصغير.

ذكريات متنوعة لا تلبث أن تراوح الفكر، أو تزور العقل، أو تظهر أمام العين الخيالية، يشاهدها أمام ناظريه، تعرض عليه نتيجةً لحدث مشابهه، أو كلمة عابرة تُذَكِرُه بها، أو شبيهة لها قالها أحدهم، تظهر من شريط سنيمائي تصوري خاص بين الحين والآخر والمرء يجلس في سكون تام، وتفاعل عجيب وكأنه يعيش إحدى تلك الأحداث.

فجأة تزول سحابة خياله، وينجلي ظلام ليليه، ويفوق من لحظات غفوته بتنهيدة عميقة، أو ذكر -سبحان الله- وقد تصاحبها ابتسامة عريضة، أو حركات لا شعورية، أو دمعة حزينة، أو أنين داخلي، حسب الموقف الذي كان سارحاً به خياله، أو استرجعه من ماضيه في تلك اللحظات.

يعود لوعيه ليجد نفسه في الحاضر بحاله، فيتحرك في مضض، ويتمتم في ضجر، وقد يكون العكس. يقوم من مكانه باحثاً عما يشغله عما كان سابحاً فيه.

تلك اللحظات التي قد تبدو له أحياناً ساعات وهي لحظات، وقد تصل لبضع دقائق، لها آثار دفينة في الأعماق، متعددة الإيجابيات، ومختلفة السلبيات، تَعَلَّقت ذِكرياتها في ذاكرته، وجال بها خياله لآفاق بعيدة، وحياة ماضية تنشر ظلالها على حاضره، وربما على مستقبله بين الحين والآخر.

ذاك هو الإنسان بشكل عام، عقل وقلب، إحساس ومشاعر، شعور واستشعار، سكينة وضجر، ألم وسعادة، ابتسامة وتقطيب حاجب.

كُنْ على يقين -بالله سبحانه وتعالى- وتأكد بأنك لن تأخذ من الحياة إلا ما كتبه -الله عز وجل- لك مهما فعلت، فاحرص على أن تكون قانعاً بقسمته، راضياً بقضائه وقدره، مصلياً على حبيبه عليه أفضل الصلاة والسلام، ودوداً متسامحاً، دائم الابتسامة في هذه الحياة، لتجد السعادة الحقيقية حتى وإن طال بك المطاف.

8 ردود على “همسة “ذاك هو الإنسان”!!”

  1. مقال رائع يلمس القلب ويلخص مراحل الحياة في سطور قصيرة في سردها عميقة في معناها.

  2. والدي ومعلمي.. وملهمي وسندي.. ما أروع هذه الكلمات.. أبحرت الخاطرة عبر قلبك.. فأرفأت في فؤادي.. وغدت في خيالي.. فخالطت مشاعري.. وهزت كياني.. وتملكت جوارحي.. فإذا بي أنظر من خلال عينيك.. وألمس قلمك.. وأخط بيدك.. وأسبح في فضاء ذاكرتك.. واستشعر كلامك.. فتخنقني العبرة.. ويبتل طرفي تارة.. ويسعد قلبي تارة أخرى عندما أفتح عيني على رؤياك.. وألتمس المعاني في كل ما خطت يداك.. وأحمد الله على أن رزقنا إياك.. وأسأله أن يديم علينا لقياك.. ويرزقنا برك وبر والدتنا.. ألا سلمت يداك.

  3. الحياة في عمر الانسان وفصوله متنوعة فعلا مليئة باللحظات الجميلة. �
    وهذه اللحظات لا تعني أين تكون ؟
    ولكنها تعني مع من تكون. �
    فأي مكان يغدو جنة برفقة من نحب ونهوى. �
    فليست الأماكن من تجعل حياتنا جميلة
    ولكنها الرفقة الطيبة والقلوب المحبة..وجزاك الله خيرااواحسنت باشمهندس ابراهيم جستنية علي وصفك الدقيق لفصول السنة في عمر الانسان وحقيقي ابدعت في وصفك الرائع 💚💞

التعليقات مغلقة.