إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة “اللقاء”

كانت الحياة بسيطة وسهلة، والمحبة منتشرة، والحنان متبادل، والعطف منتشر. كان اللقاء سهل وميسر، والابتسامة تكاد لا تفارق الوجيه رغم صعوة الحياة وقسوة المعيشة.  

كنا متجاورين، أو منازلنا متلاصقة، وقلوبنا متوافقة. أزقتنا متلاقية، وخطواتنا متتابعة. نتشوق للقاء بعضنا البعض، ونسعد بالقرب، ونتسابق بالمحبة.

كنا سعداء ومبسوطين جداً، نلتقي بشوق وكأننا لم نر بعضنا منذ فترة طويلة. نتبادل السلام والتحية، ونتجاذب أطراف الأحاديث المختلفة. نواسي بعضنا البعض، ونتعاون لتخفيف آلام بعضنا البعض. نتشارك في السراء والضراء.

نُعَلِّمُ بعضنا البعض كل مفيد. الكبير أب، قريباً كان أم بعيد. الكبير يرحم الصغير، والقوي يعطف على الضعيف. الغني يواسي الفقير، والشبعان يطعم الجيعان.

كنا نجلس من الجد حتى الحفيد حول مائدة واحدة والابتسامة لا تفارق محيانا. أصبحنا فراداً كل منا في طريق.

تباعدت بيوتنا، وابتعدت قلوبنا، وتناقصت محبتنا. تكاثرت مشاغلنا، وتوسعت مشاكلنا، وامتلأت حياتنا بالهموم والمنغصات. انتشرت البغضاء والضغينة، وكثر الحسد والنمية. اختلفت أساليب التربية، ووسمت القيم والعادات والتقاليد الحسنة بالرجعية، فازدادت صعوبة الحياة.

اختلفت الثقافات الفكرية، وتبددت الثقافات التفكيرية. تغيرت أساليب التعامل، وتبدلت طرق المعاملة. اختلطت المفاهيم، وتشتتت الأفكار، وتضاربت الفتوى. تحول الرأي الآخر لعداء شرس، وأصبح الصواب خطاً، والخطأ صواباً. خَفَّ التواصل تدريجياً، وتباعدت الأجساد رويداً رويدا، والتحقت بها القلوب، فتفرق الجمع.

تطورت مسيرة الحياة بطريقة عجيبة، خففت القليل من متاعب الدنيا، وأثقلت كاهلنا بالعديد من الهموم المختلفة والمسؤوليات المتشعبة، والأفكار المشوشة.

خرجت عن المألوف الكثير من الأمور، أضاعت الحياء، ونبذت التقاليد الحسنة، وذمت العادات الأصيلة، وتهكمت بالقيم الرفيعة.

الكثير منا سار مع الركب، وبعضنا تَحَفَّظْ، والقليل منا اتخذ جانب الأمان بالانعزال أو التقوقع تلافياً لشدة التيار الجارف وقوة المعيار.

ما عُدنا نلتقي إلا ما ندر، وإن حاولنا، نكون بأجسادنا فقط وعن مضض. لقاء بارد، وابتسامة صفراء باهتة، تُشعرك بمدى اليأس، وشدة العذاب.

لا قلب ولا إحساس ولا مشاعر. لا لطف ولا تعاطف ولا ترابط. الكل منغمس في شاشة جواله، أو مستمعاً لكلامه، أو مرسلاً بكلماته.

الضئيل من المحبة التي لا تعدوا أن تكون مجاملة، إلا ما ندر، ما لم تكن خلفها مصلحة نوعية.

نحرص على سرعة انتهاء هذا الكابوس، بعد ما كان اللقاء عنصر الحياة الاجتماعية والمجتمعية القديمة ذات البساطة السهلة الممتنعة. 

       لِمَ حولنا حياتنا من حال البساطة والسعادة لحالات الوحدة والأنانية! والتعقيد والشقاء! والعناء التراكمي!!

       مهما يفعل الإنسان في هذه الحياة، ومهما يجني من متع الدنيا، ومهما يخزن من أموال في البنوك فلن يحصل على كل ما يريده مهما طال به الزمان.

لن يأخذ إلا ما قَسَمَهُ له -سبحانه وتعالى- خلال ساعات حياته الدنيوية. سيترك كل شيء تَحَصَّل عليه للورثة ويغادر هذه الحياة الفانية بقطعة قماش بيضاء.

       أيام قليلة بعد رحيله، ويُنسى ذكره. لن يبقى له في الحياة إلا فعل الخير، والعلم النافع، والأثر الطيب، والولد الصالح، والذكرى الحسنة.

       ترى!! هل سنعتبر!!! نسأل الله ذلك.

3 ردود على “همسة “اللقاء””

  1. موضوع اكثر من رائع يمثل واقعنا اليوم نسأل الله ان يبارك اوقاتنا ويعيد ايامنا الحلوه

التعليقات مغلقة.