إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة استثمارية أزلية

القدرات البشرية المختلفة بكل وطن أو دولة هي الثروة الحقيقية والأساسية التي تستطيع تحقيق ذلك النمو في شتى المجالات، والتطور في مختلف التخصصات.

أما الثروات الطبيعية والإرث المادي فما هي إلا وسيلة لتحقيق الأهداف ونيل الطموحات والوصول للعالمية.

لذلك، توجهت الدولة بقوة فاعلة لتنمية المجتمع ومواكبة النمو الحضاري، فتم توسيع نشر الخدمات الأساسية التي كانت موجودة في منطقة الحجاز كالتعليم والصحة والبلديات والأمن في المدن، وتلاها نشر التعليم المجاني النظامي في المدارس والمعاهد في بقية مناطق المملكة، فالاتصالات والطرق والصناعة والزراعة، وتشجيع القطاع الخاص للنهوض والمشاركة في بناء الوطن حتى أضحى يشار له بالبنان.

توالت التطورات لتواكب منهج مسيرة التنمية المستدامة، فأخذت تهتم بمجال التنمية الاجتماعية والمجتمعية ومحاولة تحسين الرفاهية في المجتمع بعد تطبيق الأنظمة الضريبية وتغيير بعض مواد وفقرات بعض الأنظمة المدنية والأمنية والاقتصادية، وتتوسع في جميع المجالات والنشاطات الإنسانية والفكرية والتكنولوجية والاقتصادية، وفتحت أبواب الأنشطة الثقافية التي كانت مغلقة كالاحتفالات المحلية والدولية والمسارح والسينما والمناسبات الوطنية وغيرها، وتقوم بتقديم الدعم المادي والمعنوي لبعض منها.   

الأجيال السابقة أدت أدواراً جبارةً تشكر عليها، وقامت بمجهودات عظيمة رغم صعوبة الحياة التي كانوا يعيشونها، جعلها الله في ميزان حسناتها.

من أجل وأهم هذه الأدوار التي أَدَوها، هو تنشئة جيل قوي بالإيمان، فيه العالم والمتعلم وطالب العلم، فيه الباحث والمجتهد والعامل والزارع، فيه العديد من الصفات الحسنة والقدوة الصالحة، ولا يخلو من الشواذ.

لقد آن الأوان لهذا الجيل المعاصر بأن يأخذ بقيادة الدفة، وإدارة العجلة بمزيد من الحكمة حتى لا تخرج عن المنهج الإسلامي العام، ويركب قطار مسيرة التنمية المستدامة ويتجاوز العالمية، ويتغلب على كل الأفكار الهدامة، والمؤثرات السلبية التي تتسلل بلا هوادة ودون استئذان للبيوت والعقول والقلوب، وأن يتمكن أفراده من حسن اختيار الثمين ونبذ الغث الدفين، والحرص على المزيد من التعلم وحسن الفهم، وتنمية الروح الوطنية، ومواصلة نشر المزيد من عناصر المحبة والسلامة بين أفراد المجتمع.

إن أهم وأعظم مقومات هذه البلاد، هي المقومات الروحية المتمثلة في العناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وبالشرف العظيم لخدمة ضيوف الرحمن، واللذين يعدَّان رصيداً أزلياً وكنزًا عظيمًا لا مثيل له، وله مكانة عالية في الدنيا، وتأثيرات فاعلة على جميع المستويات.

إذن، بناء الإنسان هو العنصر الأساسي في هذه الحياة، ولابد أن يكون قبل بناء المكان، فالإنسان هو الذي يمكنه بناء كل شيء -بقدرة الله تعالى-

لذلك، يهتم الإنسان النشيط بالعمل المناط به، والقليل مَن يحرص على تطوير إمكانياته وتحسين مستواه المادي والعلمي، والكثير من الناس لا يحب المجازفة ولا التعرض للمخاطر على اختلاف أنواعها ومستوياتها بالنسبة لمجال عمله ومسيرة حياته ويقبل بالواقع.

القليل من الأفراد الطموحين من يحب المغامرات والدخول في المنعطفات، والصعود لقمم الجبال بإرادة قوية وعزيمة صادقة متخطياً كل الاحتمالات مع أخذ الحذر والحيطة وتجنب الهَوْيَاتْ، بعد دراسة متأنية وتفكير عميق، يَجِد ويَجْتَهِد، يزداد علماً، ويتوسع تعليماً، ويستدرك فهماً، ويستنير معرفة، ويتطور فكريراً، ويتنور تفكيراً، مستثمراً في نفسه وفي علمه ومعلوماته وأعماله ومجتمعه، فيسهل عليه المساهمة في تطوير أسرته ومجتمعه ووطنه ومواكبة مسيرة الحياة والرفاهية المعتدلة، وهذا من أَجَلُّ وأفضلُ أنواع الاستثمار. 

فإن أردت يا أخي الكريم أن تبني أو تستثمر شيئاً قوياً يسري مفعوله، ويخلد أثره، ويجري أجره بلا انقطاع، فاستثمر في بناء ابنك وابنتك (وَرَثتك في الدنيا، ورصيدك للآخرة) بقوة العقيدة، وفهم العلم، والقناعة والرضا، وحب التعلم، والقدوة الحسنة، والقدرة على الحب والمحبة والتسامح وحسن التعامل مع الآخر، وصم الآذان عن النميمة، والبعد عن الغرور، وتجنب زارعي الفتن، ومروجي الأكاذيب.

لا تَبْنِ لهم بيوتاً دنيوية، ولا شركات وأرصدة بنكية يتنازعون عليها ويتخاصمون ويتفَرَقون بسببها بعد وفاتك.

هذا لا يعني أن تتركهم فقراء يتكففون الناس، بل ضع الأساس القوي، وكن حريصاً على الاستثمار الأمثل، تحصدهما معاً، والهداية من -الله سبحانه وتعالى.

إن من يستطع فعل ذلك الاستثمار الأمثل، يكون قد حقق الكثير للدنيا والآخرة، لأنك بذلك الرصيد الثمين الذي زَوَدْتَهُم به في حياتك، يستطيعون بناء السعادة، ونيل الطموح، وبقاء الأخوة، ونشر المحبة، والمحافظة على المودة، وحفظ الإرث أيا كان، وتطبيق ما فعلته معهم على ذرياتهم.

فاحرص يا أخي على الفوز بالاستثمار الأزلي قبل فوات الأوان، فلا تلهيك المنعطفات المزينة، ولا تتعثر في المطبات المتكررة، وتنبه قبل السقوط في فجواتها وحفرها المتنوعة.

لا تنساني من الدعاء. وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.               اللهم آمين

5 ردود على “همسة استثمارية أزلية”

  1. جزاك الله خيرااا وربنا يزيدك من نعيمه والاكثر من العمل الصالح هو الرابح بالاستثمار الحقيقي والفوز بالجنة بارك الله مسعاك ودام فياضا بين يداك وبارك فيك باشمهندس ابراهيم جستنيه وجعله الله في ميزان حسناتك

  2. وفقك الله لمايحبة ويرضاه أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وأعمل لاخراتك كأنك تموت غدًا هذا مختصر الحياة الدنيوية

  3. ان خير استثمار للعاقل هو الاستثمار في تعليم الابناء وتوجيههم بما يتوافق وميول كل واحد منهم لتستمر الحياة والنماء بالعمل الجاد والمدروس فجزاك الله خيرا على التنبيه

التعليقات مغلقة.