إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة خواطر رمضانية[1]

أساتذتي وإخواني وأبنائي الكرام من الجنسين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله.

نهنئكم بهذا الشهر الفضيل، ونسأل الله تعالى أن يقبله ويتقبله منا بعفوه وكرمه، وأن يبلغنا إياه أعواماً عديدة في صحة وعافية وأمن وأمان.

أشكر منصة “أكاديميون الثقافية” على إتاحة هذه الفرصة لألتقي بكم في هذه المناسبة الإسلامية الرائعة، شهر المحبة والغفران، نسترجع خلالها بعض الخواطر، أو القليل من الذكريات، ونترحم على أسلافنا وندعو لهم بالرحمة والغفران.

الخواطر كثيرة، والذكرات عديدة، ومناسباتها مختلفة، اليوم يجول بخاطري جانب من أحداث شهر الصوم الفضيل قبل أكثر من نصف قرن مع ذكرى قدومه.

كان لوالدي حسين محمد سعيد جستنيه -يرحمه الله- حتى نهاية عام 1374هـ، 1955م، قبل توسعة المسعى، دار عامرة أمام باب السلام الكبير واجهته على المسعى مباشرة ومدخله من زقاق البلدية بواسطة درج للدور الأول، لأن الأرضي محلات تجارية على المسعى الذي يعتبر أكبر سوق تجاري في مكة المكرمة.

كذلك، كان للوالد دكان في الجهة المقابلة بين بابي السلام الكبير والصغير، يبيع فيه ساعات رولكس، أوميقا، وأنواع مختلفة من الخردوات، وفوط الإحرام وأشياء كثيرة أخرى، وكلونيا ليالي باريس، والطائر التي بدأت تظهر في ذلك الزمان.  

كنت في بداية المرحلة الابتدائية أجلس بصحبة والدي في الدكان بعد العصر في رمضان والمسعى مرصوفة بالحجارة ويوجد حاجز رمزي متقطع بين الصاعد للمروة والنازل للصفا، نشاهد ونسمع المعتمرين وهم يسعون مهللين مكبرين سائلين راجين الكريم.

كان من عادة أغلب أهل الحجاز أداء عمرة واحدة على الأقل في رمضان، بالإضافة لعمرة ربيع ورجب وشعبان، من جدة والمدينة والطائف، وأغلبهم لهم معارف أو أقارب أو أصدقاء في مكة.

كأنني الآن، أسمع صوت الوالد -يرحمه الله- يقول “عمرة مقبولة، أو من المقبولين إن شاء الله- وأسمع رد الآخر قائلاً “جميعا إن شاء الله، شكرا” والوالد يرد عليه ننتظرك على الفطار، فيرد الآخر “إن شاء الله”

وقبل آذان المغرب أجد عدد جيد من هؤلاء المعتمرين قد وصل للدكان أو ذهب للبيت لأنه معروف، ويوجد ثلاثة من العاملين على الضيافة في الدور الأول يستقبلون الضيوف ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه، ريثما يأتي الوالد.

كانت تمتد سفرة طويلة من أنواع الطعام الرمضاني الحجازي، كل محتوياتها من طهي سيدات البيت -يرحمهن الله- الجدة والعمة والوالدة، والجواري، ثم أصبحن العاملات من المواطنات، بعضهن زوجات العاملين أو قريباتهم، أو من غيرهم.

نبدأ ببسم الله، نتناول التمر والصقيع، ونشرب الزمزم ثم نقوم لصلاة المغرب في الغرفة المجاورة خلف إمام المسجد الحرام ونحن في البيت نشاهد المصلين في باب السلام وفي المسعى.

بعد الصلاة يجلس الجميع حول المائدة في سعادة وهناء، كأنني أشاهد هؤلاء الضيوف الأعزاء أمام عيني في هذه اللحظات على شريط سينمائي وهم يضحكون معاً في سعادة وتبادل أحاديث جميلة خلال تناول الطعام على مائدة أرضية، من صحون مشتركة، ولقيمات متبادلة بينهم بنفوس طيبة، وابتسامة مشرقة.

اتخيل السادة الأفاضل أحمد صلاح جمجوم، أحمد يوسف زينل، أبوبكر باخشب باشا، ونور ولي، وعبد الله قاضي، وصالح كشميري، وزكي يماني، وعبد الوهاب عبد الواسع، وأيوب صبري، وحسن داغستاني، وحسن علام، وغيرهم كثير أنساني الزمان أسمائهم، قد يجتمع بعضهم بالتنسيق بينهم، وقد يصادف تواجد آخرين مع بعضٍ منهم، أو بدون وجودهم. وهؤلاء من الشخصيات التي كتبت عنهم في كتابي “رجل المهمات الصعبة” في (530) صفحة A4 و(1220) صورة ومستند ووثيقة تاريخية، بعضها تظهر لأول مرة، وبينت بعض المواقف التي عاصرتها منهم.    

بعد الحمد والشكر لله، نقوم لغسل اليدين، ثم يعود الجميع لتناول القهوة العربي، والعربي بالنانخة المحمصة، ثم الشاي الأسود، أو بالنعناع الطائفي أو المدني، وكذلك الأخضر، حتى آذان العشاء، فنؤدي الصلاة في جماعة مع الإمام من البيت، البعض يخرج لصلاة التراويح في الحرم، والبعض يبقى، والبعض يغادر عائداً لداره.

بعد التراويح توضع أنواع مختلفة من الحلويات البيتية أيضاً، مثل الكنافة والفلة، والجبنية، والرقاق الحلو، واللبا مع العسل، وغيرها من نعم الله تعالى علينا.

شكرنا لنعم الله يتواصل، فيأتي دور الموالح للتسلية مثل المنفوش والفول النابت والترمس والحلبة الخضراء، وقبل الفجر بحوالي ساعتين يأتي دور السحور بنعم الله الكثيرة، والحلا ساقدانة، أو مهلبية، أو خشاف، أول لبن زبادي.

تختتم الجلسة أو السهرة بالصلاة على النبي والفاتحة ثم الصلاة عليه، ويقوم الجميع للاستعداد لصلاة الليل وانتظار صلاة الفجر أيضاً مع الإمام.

اللهم ارحمهم أجمعين، وارحمنا وجميع المسلمين برحمتك التي وسعت كل شيء، ولا تؤاخذنا على أخطائنا، فأنت الجواد الكريم، وصلى الله وسلم على نبيك الأمين.     

أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم، وإن شاء الله تكون ذكرى طيبة وكل عام وأنتم بخير.

حررت في 18/08/1443هـ، 21/03/2022م.   


[1] حلقة مسجلة فيديو خصيصاً لموقع منصة “أكاديميون الثقافية” وقامت ببثها في المنصة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في 08/09/1443هـ، 09/04/2022م.

ردّين على “همسة خواطر رمضانية[1]

التعليقات مغلقة.