جزيل شكري وتقديري لجميع الإخوة والأخوات الذين دونوا مداخلاتهم على مقالتي السابقة دراسة مشروع “المخيمات المتعددة الأدوار” واستبدالها بفكرة مشروع “الحي النموذجي لمشعر منى، أو مدينة مشعر منى” سواء أكان ذلك في الموقع أم على الخاص.
في هذه المقالة الثانية حول المخيمات والحل البديل لها في مشعر منى، أود إضافة بعض النقاط في عجالة سريعة:
أولاً: أوكد لكم أنه ليس المهم بالنسبة لي ما إذا كانت الفكرة قد تم طرحها قبل مقالتي السابقة أم لا! سواء أكانت بنفس المنهج أو مختلف، إنما الأهم للجميع هو أن تجد الفكرة العامة للمشروع قلباً يرعاها، وعقولاً تطورها، وأيدٍ مخلصةٍ تنفذها، وأرواحاً حساسةً تتبناها وتتكفل بتشغيلها وصيانتها وتطويرها لتواكب المكان والزمان.
ثانياً: فكرة هذا المشروع، سبق أن طرحناها بعد أول أكبر حريق نشب في مشعر منى عام 1395هـ، (1975م) -بحسب ما أتذكر- وتشرفت مع فريق العمل بمؤسسة والدي حسين جستنيه -يرحمه الله- والتي كنت أديرها، بالمشاركة مع بقية الفرق الأخرى التي ساهمت في مكافحة ذلك الحريق الهائل، وإخلاء الموقع والمحافظة على سلامة الأرواح والممتلكات، وتأمين الإضاءة اللازمة للمكان باستخدام الصواري الكاشفة المتنقلة والتابعة لأمانة العاصمة، ومراقبته على مدى (36) ساعة متواصلة لضمان عدم وجود نار خامدة تحت الرماد.
ثالثاً: بدأت عملية فرض قيود وتحفظ على عدم استخدام أنابيب الغاز على اختلاف مقاساتها، تلته عملية منع الطهي في مشعر منى، وتوالت عمليات وضع الضوابط لتلافي احتمالية نشوب أي حريق في كل المشاعر الثلاثة (عرفات ومزدلفة ومنى)، رغم ما سببته تلك القيود من آثار جانبية كثيرة.
رابعاً: قامت بعدها بسنوات إدارة مشروع تطوير منى والمشاعر -عندما كان الأمير متعب بن عبد العزيز وزيراً للبلديات- بعمل دراسة مطولة لإنشاء مباني متعددة الأدوار على سفوح جبال مشعر منى، وأخذت شوطاً طويلاً من المناقشات، ثم تَجَمَد المشروع.
خامساً: بدأ بعدها إنشاء مبانٍ ذات دور واحد على شكل قباب أو خيمة بيضاء تعبيراً عن الشعيرة كلفت الدولة مبالغ طائلة، إلا أنها أزيلت في شهر رمضان من نفس العام بعدما انتهى تأثيث معظمها، وقبل الاستفادة منها.
سادساً: عند إذن، حلت محلها فكرة الخيام المقاومة للحريق ذات الدور الواحد، وحدث معها عدة دراسات وأبحاث مختلفة لتكون لأكثر من دور تحسباً لزيادة عدد الحجاج، وبحسب معلوماتي، ساهم مركز أبحاث الحج في ذلك أيضاً بالدراسة والتطبيق، لكنها لاقت معارضات شديدة وآراء متباينة، بأفكار عجيبة.
سابعاً: كبري الجمرات وعمليات الازدحام والتدافع، تم تشييده لأكثر من مرة، وتمت إزالة جميع المباني والبيوت والأحواش الخاصة التي كانت موجودة في مشعر منى، حتى وصلنا للكبري الحالي ذا الطوابق الخمس باتساعه وطول أضلاعه وخدماته.
ثامنا: تم عمل مطارات لطائرات الإسعاف والدفاع المدني، وتعزيز وحداتهما ووحدات الأمن والسلامة.
تاسعاً: تم تنفيذ فكرة الخيام ذات الدور الواحد والمقاومة للحريق، وأُدخلت عليها بعض التطورات حتى آلت إلى ما هي عليه.
عاشراً: تم نقل جميع مجازر الحج وسوق بيع المواشي من مشعر منى لمنطقة المعيصم وعمل نفق المعيصم للتيسير على الحجاج للوصول للمجازر، وللاستفادة من مسطحات أراضيها.
حادي عشر: تم تحديث البنية التحتية في مشعر منى لتتلاءم مع وضع الخيام المقاومة ذات الدور الواحد، كما تمت إضافة العديد من الحمامات وأماكن الوضوء، وتمديد شبكة مياه عادية ومُبَرَدة.
ثاني عشر: بعد فترة، طُرحت مرة أخرى الفكرة السابقة لمشروع المباني على سفوح الجبال، فأثمرت عن تنفيذ المباني اليتيمة والموجودة حالياً على سفح الجبل كتجربة لم تُكتمل أو لم يتم مواصلة تنفيذها.
ثالث عشر: جميع تلك الأعمال الجبارة في المشاعر المقدسة تم تنفيذها من قبل شركات ومؤسسات وطنية مصنفة بمقاييس عالمية، وبإدارة وعمل العديد من المهندسين الوطنيين، وهي ميزة عالية وكفاءة جديرة بالفخر والاعتزاز.
تلك كانت لمحة سريعة، وسجل وثائقي وتاريخي لبعضٍ مما حدث في مشعر منى خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وقد تداخلت فيه الكثير من العقبات، وتضاربت حوله العديد من الآراء كأي مشروع جديد يجري تنفيذه قبل استكمال الدراسات من جميع الجوانب، ورصد العقبات المتوقعة والمشاكل الغير متوقعة أو المحتملة، وعدم التوقف عند الحلول المؤقتة، بل بوضع الحلول الجذرية لها.
رابع عشر: كذلك، في تلك الفترة، تمت مناقشة وضع مخطط عام وشامل لمدة (25) خمسة وعشرين عاماً لمكة المكرمة، وآخر لما يتبعها أو يرتبط بها، وثالث لما يربطهم بالمدن المجاورة كجدة والطائف، ورابع لما يربط مدن المملكة ببعضها، وذلك في عام 1400هـ، بعد أحداث الحرم -بحسب ما أتذكر-
رابع عشر: بدأ العمل الفعلي لتنفيذ تلك المقترحات التخطيطية لبضعة شهور، كان من ضمنها الطرق الدائرية الثلاثة في مكة المكرمة، نُفذَت أجزاء منها، ثم توقفت الفكرة بكاملها فجأة، وأحيلت الفكرة بكاملها لعالم الأرشيف.
لا شك أن كل فكرة أو مشروع سيواجه العديد من العقبات والمصاعب المتوقعة والغير متوقعة، وستكون هناك الكثير من الاحتمالات أو التصورات التي قد يظنها البعض خيال أو وهم فلا توضع في الاعتبار، وخاصة إذا ما ارتبط المشروع بعدة جهات مختلفة، والكثير من اللجان المتنوعة التفكير، أو البعيدة عن الواقع الملموس والحال المحسوس.
ورغم ذلك فلم تقف الحلول عاجزة أمامها، ولن تُسْتعصى على أهل العلم والمعرفة وذوي الخبرة والتجربة من أهلها وسكانها طالما توحدت القلوب، وتماسكت الأيدي، وتظافرت الجهود، وتوفر الدعم المعنوي والمادي، ولا أخاله إلا كذلك، خاصة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، ومن يُعهد إليهم بذلك من الإخوة الكرام.
من الطبيعي حدوث الكثير من المتغيرات الجوهرية في مكة المكرمة ومجتمعها على مدى هذه السنوات التي قاربت أو تجاوزت النصف قرن من الزمان كأي مجتمع آخر، لكن لا يزال الكثير من العلم والمعرفة والخبرة مخبأ في العقول وبين طيات النسيان، إذا بحثنا عنه وفتحنا له المجال، وسهلنا له الطريق للوصول والتواصل، فسيكون من المؤكد وجود أكثر من طريق للوصول لحلول تحقق الأهداف حتى وإن ارتفعت تكاليفها مبدئياً، لأن الأهم هو الأهداف المنشودة من مثل هذا المشروع الإسلامي والحيوي، والثمرة ونوعها وجودتها التي يمكن أن يجنيها على مدى سنوات طوال، عوضاً عن مشروع معدود السنوات محدد الخدمات، مرهق من جميع الجوانب.
قد يذكرنا هذا بما أجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيه من أَنَّ [الاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ مشروعة] لمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ} انتهى. وقد تكون المشورة أو التشاور والاستعانة بأهل الخبرة والمعرفة جزءُ من الاستخارة المشروعة.
أتمنى ألا نستعجل في اتخاذ القرار بتعدد أدوار المخيمات، وأن نحرص على اتباع السنة النبوية، وأن نتعلم من أخطائنا، وألا نكرر أخطاء غيرنا، وألا نستسلم لليأس، وأن نواصل البحث والتركيز على الدراسات الأكثر جدوى مستقبلياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً وحضارياً، لتكون الدراسة الأنضج لتحقيق الأهداف، ونيل الطموحات القريبة والبعيدة المدى، ونتحدى بها العالمية بمشروع لا ولن يكون له مثيلاً على الاطلاق.
نسأل الله حسن التوفيق، والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
تعدد الآراء الكثيرة وأتمنى الا نستعجل في اتخاذ القرار وان نتعلم من أخطأئنا في الماضي بأنه مشروع وطني وقومي ونواصل التركيز على الدراسات الأكثر جدوى في الاقتصاد لتحقق الأهداف والطموحات ويكون مشروع عالمي وأنا مع فكرة ورؤية الباشمهندس ابراهيم جستنية في كل ما ذكره لانه الصواب من جميع الجوانب الثقافية والاقتصادية والحضارية وبالتوفيق بإذن الله