هل يبقى الماضي!! أو شيئاً منه!! وكيف يمكن ذلك!!
خلق الله سبحانه وتعالى الكون بما فيه، وضح الشرائع، وفَصَّلَ المُحرمات، وبين الحقوق والواجبات، ونَظَّمَ المسؤوليات، وسن القوانين الرئيسية التي تضمن سير الحياة الطبيعية، وترك المجال مفتوحاً للإنسان في الأمور الدنيوية، ليضع لها نظاماً أو أنظمة خاصة تتغير وفق المتغيرات الزمانية والمكانية، دون تخطي تلك الحدود التي وضعها سبحانه وتعالى.
الذكرى الطيبة، والأعمال الصالحة، والقدوة الحسنة، والذرية الصالحة كلها أشياء تبقى حتى في غياب صاحبها أو بعد رحيله عن هذا العالم.
ولكي تبقى تلك العناصر صامدة، تحتاج فقط لأهم شيء في الحياة، وأفضل شيء في الوجود، ألا وهو -مخافة الله عز وجل- في السر والعلانية، ومحبة سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة والتسليم، والأخلاق الحميدة المقترنة باليقين وحسن الشكر.
أما العادات والتقاليد والأعراف، فهي قواعد بشرية عامة، والقيم مناهج أخلاقية مجتمعية تعارفت عليها معظم شعوب دول العالم منذ العصور السابقة.
أقر بعضها ديننا الإسلامي الحنيف، وأنكر بعضاً منها، ويحثنا على بعضٍ آخر، توارثتها الأجيال مع القليل من المتغيرات المتوافقة مع كل عصر دون ضرر ولا إضرار.
تتابعت عليها مجدداً خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة تقريباً الكثير من المتغيرات السلبية في دول العالم الملقب بالمتحضر، وانتقل بعضٌ منها لبعض من الدول الأخرى التي تسعى لمسمى الحرية المزيفة دون تدبر ولا حسن تفكير.
الإنحدار الأخلاقي كان الأكثر تغيراً فيها، يسعى الكثير من المتطرفين لنشره كالهشيم في القش في كثير من دول العالم دون أن نَسْلَمَ منه، إلى جانب المزيد من السلبيات، مع جهادهم المرير لنبذ الكثير من تلك العادات والتقاليد والأعراف القديمة والجيدة ووصمها بصفات سيئة، لتحقيق أهدافه السيئة، وخططه الدنيئة نحو إفساد الأخلاق، والبعد عن التعاليم الدينية، والحياة المجتمعية النقية والعفيفة.
تختلف كل من العادات والتقاليد والأعراف عن القيم ومنهجها الرئيسي القويم، سأحاول فيما يلي شرح بعضِ المعاني، أو توضيح مفهوم تلك الكلمات القليلة الأحرف، الواسعة الأهداف، المتنامية المفاهيم، المليئة بالمحبة والتكافل الاجتماعي والتقارب المجتمعي، أيد سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم الحسن والمحبذ منها، ونبذ السيء، واستبعد المخالف.
تُولَدُ العادات والتقاليد من ثقافة المجتمع ولا تظهر كلها فجأة، بل تنشأ تدريجيا في المجتمع نتيجة للظروف الزمانية والمكانية والمجتمعية.
الصواب منها أو المحبذ منها يخضع لمنطق التفكير، وحسن التدبر، ويحظى بالاقتناع والقبول من ذوي العقول النيرة، والسيء منها يفتقر للحجة والمنطق، ولا يستند لدراسة بناءة، بل ينتج عن توجهات لا أخلاقية، وأفكار سيئة، وطرق مُغْرِضة تسعى لمسايرة حالة اجتماعية معينة في ظروف متقلبة لنشر أفكار هدامة.
العادات: العادة هي ذاك السلوك أو التصرف المتكرر الذي يمارسه الإنسان بطريقة تلقائية أو تقليدية أو توارثيه حتى أصبح جزءاً من عقيدته أو ثقافته المعيشية العامة، بعضها فردى وآخر جماعي، وشيء منها شخصي، منها الحسن أو المقبول ومنها السيء والمنبوذ.
أياً كانت حالتها فلها دور فعال في حياتنا إيجابي تارة، وهذه محمودة، وسلبي تارة أخرى وهي منبوذة لتأثيرها المباشر أو الغير مباشر على بقية الأفراد وصولاً للمجتمع.
لقد تسللت بعضٌ من تلك التصرفات أو الأقوال الغير حسنة لمجتمعنا خلال مراحل التغيير التي تَمُرُّ بها أمتنا الإسلامية.
حرص أولئك النفر على ترسيخ المشين منها في أذهان ضعفاء العقول، أو نسبتها للإسلام بأساليب عجيبة، وروايات دخيلة وهو براء منها، لتظل الشوكة المؤلمة في كل حركة، تحذرنا بقرب الخطر، بينما هي ذاك الخطر الكبير الذي ينتشر في مجتمعنا دون أن نتداركه قبل فوات الأوان.
لذا علينا أن نستوعب مكامن خطر هذه العناصر السلبية ونترفع بأنفسنا عن العيش في حياة عشوائية غير منظمة وخاضعة للظروف المتقلبة وفق الأهواء والمصالح، وأن نحدد لأنفسنا هدفاً أو أهدافا بنَّاءة نسعى لتحقيقها معاً، وطموحات متنوعة وبناءة نتسابق لاكتسابها، ونجعل من عثرات الحياة وأخطاء الماضي عتبات توصلنا لأحلامنا مهما كانت صعبة أو بعيدة.
نملأ حياتنا بالحب المتبادل بيننا، ونتسم بحسن الخلق في مسيرة حياتنا وسلامة تعاملاتنا ونظافة أفعالنا، ونحرص على تجنب كل ما لا يتوافق مع قيمنا الإسلامية وعاداتنا الحسنة ومبادئنا القيمة، ونسعى جاهدين للتشبه بسيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم.
الأعراف: جمع كلمة عُرْفٍ، وهو اصطلاح لأعمال أو أفعال حسنة تحقق المصلحة العامة العملية او التطبيقية أو المجتمعية، أو هم معاً، وغير مخالفة للآداب الشرعية.
إعتاد على فعل ذاك العرف الناس، من قول أو فعل أو عمل بين الأفراد أو في المجتمع، وأَلِفَتْهُ نفوسهم، وتوارثوه عبر الأجيال.
اتفق السابقون على فعله بعد استحسان نتائجه فأصبح أقرب ما يكون عاماً وشاملاً وثابتاً نسبيًّا، طالما استخدم بطريقةٍ سليمةٍ، ولأهدافٍ نيلة، وقد لا يخلو من السلبيات فيتجنبها.
قد تختلف الأعراف الحسنة وطريقة التعامل بها من مدينة أو دولة لأخرى، وقد تتوافق بعضٌ منها مع أعراف جهة أو جهات أخرى، لكن أهدافها في جميع الأحوال مشتركة وبناءة. وهذا أحد أسباب توارثها بين الأجيال حتى عصرنا الحاضر.
التقاليد: هي مجموعة من أعمال سابقة ناتجة عن الحكمة والخبرة، متوارَثة أصبحت جزءاً من عقيدة ذلك المجتمع، تُمارس أو تُطبيق بين أفراده، ولا تزال سارية المفعول منذ زمن سابق حتى أصبحت شيئاً طبيعياً في حياته، والخروج عنها يعتبر شيئاً مَعِيباً أو غير صحيح.
هذه التقاليد الحسنة، تجد موجة كبيرة من الهجمات الهمجية من قبل المتبرمين من الآداب والأخلاق الفاضلة التي تعتبر من أساسيات الدين الإسلامي.
القيم الأخلاقية: هي فضائل -أعمال يؤديها الشخص طوع إرادته، كالكرم والأدب في كل شيء، واحترام الآخر وغيرها- ثابته منذ الأزل عند الكثير من الشعوب وفي كل الأعراف والأديان والثقافات السابقة، وهي قيم عظيمة ما تقيد بالحد الأنى منها وبها شعب أو أمة إلا وأصبحت لها حضارة واسعة، ومجد عظيم، وما تخلى عنها فرد أو شعب إلا وهبط لأرذل السافلين.
الخلاصة: أن كل مفردات تلك القيم والعادات والتقاليد والأعراف، يجب أن تكون إيجابية، ولا تخالف المبادئ الشرعية ولا الأخلاق الحميدة، وتحقق المنفعة العامة، والأعمال النبيلة، وعلى كل فرد ومجتمع أن يتمسك بها، وألا يقبل بأي شكل من الأشكال ما قد ينسب أو يضاف إليها من المشينة مهما كان ظاهرها مغريا.
تحليل دقيق وهادف.اللهم ردنا اليك ردا جميلا يامنان
صفحة تستحق النشر والفهم العميق، اشكرك جدا يا عم ابراهيم على هاذه الصفحة المليئة بالمعلومات المثيره والقيمه
جزاك الله الرضا ياعم إبراهيم والله كلام جميل
جزاك الله خيرااا باشمهندس ابراهيم جستنية علي تحليلك وشرحك الرائع لكل الجوانب ومعك حق في كل كلمة سطرتها ومع احترامي وتقديري في كل العادات والتقاليد والأعراف والقوانين والأنظمة والتشريعات والمواثيق ولكن التي تخالف شرع الله ﷻ فاتباعها فعلا لا يجوز ويجب أن تكون إيجابية ولا تخالف المباديء الشرعية والأخلاق الحميدة وشخصك الكريم اوجد الحلول الكثيرة حتي تتحقق المنفعة العامة جزاك الله خيرااا وجعله الله في ميزان حسناتك 🤲
Good https://t.ly/tndaA
طرح جميل عن فكرة التوازن بين الثوابت والمتغيرات بشكل رصين، في دعوة إلى الحفاظ على جوهر ديننا وقيمنا مع الانفتاح الواعي على تطورات العصر. مقال رائع يلامس القلب والعقل، ويحفز القارئ على مراجعة أثره في الحياة والسعي لترك بصمة صالحة تدوم بعد الرحيل. جزاك الله خيرا يا عم وجعله في ميزان حسناتك