إبراهيم بن حسين جستنيه

همسة أبوية[1]

روى لِي الوالد حسين جستنيه -يرحمه الله- قصة في إحدى الجلسات الخاصة معه قائلاً، [“تقدمت السن بأحدهم، كان له ابن بار به يسهر على راحته والعناية به وحمله ونظافته وغسله وتطيره وتلبية كل متطلباته، وذات يوم أراد الابن مداعبة والده فقال له، يا أبي الآن أصبحنا متساويين، فقال الأب كيف يا بُنَيَّ! فقال الابن، راعيتني وحفظتني وحملتني وربيتني وطهرتني وقدم لي كل ما أطلبه عندما كُنْتُ طفلاً حتى أصبحت رجلاً، والآن أنا أقوم بنفس الدور فتساوينا، تبسم الأب ابتسامة عريضة وقال، لكنك يا بني نسيت أهم شيء في المقارنة، فقال الابن وما تلك! فقال الأب، أنا كُنْتُ أخاف عليك من لفحة الهواء، وأفعل كل شيء لتنميتك وتطويرك، وأتمنى أن تكون أفضل مني، وهذا ما لا يتمناه أحد لغيره إلا الأب، وأبذل قصارى جهدي لتحظى بحياة سعيدة وسيرة حسنة وذكرى طيبة، وأن يطول عمرك في طاعة الله تعالى، أما أنت!! فماذا تتمنى لي! تسأل نفسك مراراً وتكراراً، ترى متى أستريح من هذا العناء!!! وأردف الوالد قائلاً ولأمك ثلاثة أضعاف ما لأبيك فلا تغرك الحياة يا بني فتخسر الدنيا والآخرة”، فبكى الابن وطأطأ رأسه وقَبَّلَ يدي والده وقدميه وطلب منه العفو والسماح]. انتهى.

تمعن يا أخي في هذه الحكاية وافهم معناها، واعمل بمقتضاها، وحقق مرتجاها قبل أن يمضي بك الزمان وأنت لاهٍ عنهما، منشغل أو متشاغل بأمور الدنيا، أو مغرور بحياتك الخاصة حتى لا تخسر الدارين. هكذا كان السلف الصالح قدوة حسنة لأبنائهم، ومدرسة متنوعة المناهج، متعددة المراحل. ترى! هل نحن كذلك! أو هل لا يزال هذا النمط من الآباء يعيش بهذه المبادئ في هذا العصر الذي أصبحت فيه المادة العنصر المسيطر على كل شيء، والطريق للوصول لأي شيء! نسأل الله اللطف والسلامة.

اللهم بحق اسمك الأعظم، وحرمة بيتك الحرام، وفضل شهر القرآن المبين، ارحمهما كما ربيانا صغيراً وتجاوز عنهم وعنا وعن وجميع المسلمين، وأكرمنا وإياهم أجمعين بما أنت أهل له يا رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين إلى الدين. 


[1] منقولة من المجلد الثاني من “مجموعة التراجم التحليلية التداخلية المشتركة” إبراهيم حسين جستنيه، تحت المراجعة. تذكرتها خلال المراجعة، أعجبتني فأحببت أن تشاركوني الأجر والثواب.

6 ردود على “همسة أبوية[1]

  1. همسة حقيقية لطالما اعتقد الابن أنه يوفي والديه حقهم ولكن لن يوفيهم حقهم مهما طال الزمان. فالأب يشقى لعيل أسرته والأم تسهر لراحتهم أما الابن مهما أعانهما فهو يقدم نفسه حتى وإن كان بارا محسنا.

    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا.

  2. ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا واغفر لهم وتجاوز عنهم واسكنهم الفردوس الاعلى في الجنة … مهما قدمنا من تضحيات .. فلن ولن نوفبهما حقهما .. وليس لنا الان الا الدعاء لهم.

  3. همستكم اليوم لامست شغاف القلب .. فعلا هما الحب الكبير اللهم ارحمهما كما ربيانا صغيرا
    دمتم بخير ..

  4. الزمن تغير واضطررنا لان نتغير معه كان اباؤنا واجدادنا في زمن مختلف زمن بطئ يساعدهم على التنشئة التي ذكرتها في همستك الابوية نحن كآباء هذا الزمن لا نستطيع تطبيق ما طبق علينا لان المجتمع كله تغير الزمن الذي تربينا فيه كان زمن العائلات الممتدة اما نحن نعيش في زمن الاستقلالية وبالكاد نستطيع اقناع ابناؤنا بما نريد منهم ولا اعلم كيف ستكون علاقة احفادنا بآبائهم. نحن زمن الجوال والكمبيوتر وما سياتي سيكون ادهى واعجب مما نتخيل ونسال الله اللطف والسلامة
    في همستك اعدتني لذلك الزمن الجميل الذي كنا نطبق اوامر كبارنا بالاشارة قبل القول. وياله من زمن جميل

التعليقات مغلقة.