والكسوف والتراويح والتهجد
طُرِحَِ نقاش على إحدى منصات الواتس آب، حول احتمالية حدوث خسوف للقمر بالتزامن مع موعد صلاة التراويح لمساء يوم الجمعة 14/09/1446هـ، 15/03/2025م، ليلة السبت.
كان النقاش -وُدِّي وجميل- عن مدى إمكانية تأجيل صلاة التراويح عن موعدها، أم تقديمها على صلاة الخسوف! أم الجمع بينهما في صلاة ركعتين من التراويح.
اختلفت الإجابات، وهذا الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، إلا أن هناك قواعد يجب مراعاتها عند أداء تلك الصلوات.
بعد الدراسة بنظرية التدبر والتحليل والمقارنة، نلخصها فيما يلي:
1- صلاة خسوف القمر، إذا اختفى القمر، سواء ذهب نوره كله أو بعضه، يُنادى (الصلاة جامعة) ويصلي الناس جماعة، وهي سنة مؤكدة يؤجر فاعلها، ولا يؤاخذ تاركها.
السنة أن يصلي المسلمون ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان. القراءة جهراً[1]، الفاتحة وسورة أو آيات من أي سورة في الركعة الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد، بل يقف ويقرأ مرة أخرى الفاتحة وسورة أو آيات أخرى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يصلى الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم.
2- الخسوف الناري[2] أو الدامي[3]، إذا تحقق الشرط يعتبر خسوف وتقام على أثره صلاة الخسوف، أو الكسوف وفق الحالة. والله أعلم.
صلاة الخسوف لها طريقة خاصة لأدائها -كما هو مبين أعلاه- لا تطبق في أي صلاة أخرى لا نافلة ولا فريضة، لذا لا يمكن الجمع بينها وبين أي صلاة نافلة أو فريضة أخرى، بل تؤدى بذاتها وفق حالها وفي وقتها. والله أعلم.

صورة رقم (1) مراحل الخسوف للقمر في 14 مارس 2025م. صحيفة سبق
2- صلاة كسوف الشمس: إذا اختفي ضوء الشمس كلياً أو جزئياً -ليس بسبب الغيوم- ينادى (الصلاة جماعة) وتكون طريقة أداء صلاة الكسوف كأداء صلاة الخسوف.
3- صلاة التراويح سنة تطوعية كغيرها من السنن. لم تكن تقام جماعة في المسجد في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هي نافلة تطوعية للتقرب -لله سبحانه وتعالى- وعمل محمود ومحبذ. تقام في الحرمين الشريفين وفي غالبية المساجد في العالم الإسلامي.
اعتاد الناس على قيامها أو تأديتها بعد صلاة العشاء وسنته بشكل منتظم ومنظم، طوال شهر رمضان المبارك، في جماعة بالمساجد بآيات من القرآن الكريم لعدم الإطالة، أو بجزء منه موزع على عدد الركعات لكل ليلة، ويُحْتم بها المصحف، وفي آخر ليلة يُقرأ دعاء ختم المصحف[4].

صورة رقم (2) أنموذج لدعاء ختم القرآن في مصحف مكة المكرمة، ومعلومات عن السور
لا يوجد ما يمنع من أداءها منفرداً وفق الظروف الزمانية والمكانية.
البعض من الناس يصلونها في البيوت بقصار السور أو ببعض الآيات مع أفراد الأسرة، الصغير قبل الكبير، لتدريب وتشجيع الأطفال على حُب الصلاة، وتعليمهم طريقة أداءها، وكيفية المحافظة عليها، وتعودهم على حفظ تلك السور والآيات القصيرة التي يتلوها جدهم أو والدهم ويكررها على مسامعهم طوال الشهر.
هي خطوة ممتازة، وقدوة حسنة، وكسب ثواب عظيم، ومنافع متعددة ومفيدة، وترغيب محبذ، خاصة لو اقترن بما يبعث السرور والسعادة في نفوس الأطفال، كالتشجيع المعنوي وشيء من الحلوى أو المداعبة اللطيفة.
الكثير من الناس اعتبروا صلاة التراويح خاصة برمضان مجازاً وليس حكماً. هي سنة تطوعية وتقرب للواحد الأحد، وحرص على كسب الفرصة، يؤجر فاعلها، ولا يؤاخذ تاركها، أقلها ركعتان ولا حدود لعددها.
اعتاد الناس على أداء (10-20) ركعة لصلاة التراويح في ليالي رمضان، -بتوفيق الله سبحانه وتعالى- تتبعها صلاة الوتر، والبعض يؤجل صلاة الوتر للثلث الأخير، بعد صلاة التهجد.
4- مسمى صلاة التراويح: يتغير الإمام في المسجد للاستراحة ومنح فرصة للآخر، ويتم أخذ بِضْعِِ دقائق من الراحة بعد التسليمتين للإمام وللمصلين، خلال فترة أداء صلاة التراويح، ربما لذلك سُميت بهذا الاسم الخاص أو المتميز (التراويح). البعض من المصلين ينصرف بعد التسليمتين الأولى، والبعض يُكمل مع الإمام، كُلٌ بحسب ظروفه.
وقد أرى -من وجهة نظري الشخصية- أنها سميت بذلك الاسم الجميل (التراويح) لأنها تساعد على التقرب -لله سبحانه وتعالى- وتريح القلب، وتطمئن النفس، وتسر الخاطر، وتوحي بالطمأنينة، سواءٌ أديتها في جماعة أو منفرداً، وإن كانت الجماعة أفضل لو كنت فرداً.
5- وقت صلاة التراويح: هي سنة كما أسلفنا، واسمها مجرد مسمى اصطلاحي لها، وقد ينتهي وقتها وفق مسماها بحلول الثلث الأخير من الليل لوجود مسمى آخر لصلاة تطوعية أخرى يدعونا لها رب العزة والجلال ويعدنا خلالها بالكثير وهو صاحب الجود والكرم، إنها صلاة التهجد.
ولذلك أيضاً، يقدم أداء صلاة الخسوف على أداء صلاة التراويح إذا صادف وقت أدائها خلال وقت صلاة التراويح.
أما النوافل الموسومة (كصلاة الشروق والضَّحَىَ، والسنن القبلية والبعدية) فالأفضل أن تصلى في أوقاتها.
6- عملية تأجيل الآذان وصلاة العشاء عن موعده لمدة نصف ساعة في رمضان، ليس فرضاً ولا واجبا، بل هي عملية تيسير وتسهيل وإعطاء فرصة أوسع لراحة الصائمين بعد الإفطار.
لا حرج ولا خطأ من أداء صلاة العشاء متى ما حان دخول الوقت[5] دون التأجيل، ويستحب أداء صلاة التراويح بعدها، ولا ضير في تأخير بعضها أو تأخيرها إلى ما قبل منتصف الليل، أو الثلث الأخير من الليل، ولا يوجد ما يمنع من جمعهما في التهجد إذا لم تُكْسَ بالمسمى الاصطلاحي (التراويح).
4- صلاة التهجد أيضاً نافلة، سنة تطوعية كغيرها من السنن، لم تكن تقام جماعة في المسجد في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
هي طاعة ولجوء -لله سبحانه وتعالى- وعمل محمود ومحبذ، تقام في الحرمين الشريفين وفي غالبية المساجد في العالم الإسلامي خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
صلاة التهجد بشكل عام، ليست قاصرة على شهر رمضان المبارك فقط، ولا على العشر الأواخر منه، بل الترغيب على أدائها طوال العام شديد ومحفز لقوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)} سورة الإسراء.
يمكن أداؤها منفرداً أو في جماعة مع بعض أفراد الأسرة في المنزل.
وهي ليست محددة العدد، فصَلِّ ما شئت، فهي عبادة وتقرب -لله سبحانه وتعالى- يمكن أداءها بتوفيقه تعالى.
تقام في الثلث الأخير من الليل في لحظات التجلي الإلهي والحث على اللجوء لله سبحانه وتعالى، لما ورد في الحديث الشريف [يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له! مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ! مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له!][6].
هنيئاً لمن يلبي هذا النداء ويحظى بالإجابة، جلنا الله وإياكم منهم.
صلاة الوتر: هي أيضاً نافلة، ويبدأ وقتها من بعد صلاة العشاء حتى آذان الفجر،
لحديث أمّ المؤمنين السيدة عائشة -رضيَ الله عنها- قالت (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قدْ أَوْتَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ)[7] ويُوصى بها.
[هي ثلاث ركعات، يتشهد بعد الثانية، ويقرأ القنوط بعد القيام من الركوع في الثالثة، أو ركعتان مستقلة ثم ركعة مستقلة مع دعاء القنوط، أو ركعة واحدة مع دعاء القنوط][8].
يستحب أن تكون بعد أداء صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل أياً كان عددها، وفي أي ليلة من ليالي السنة.
الفرق بين صلاتي التراويح والتهجد:
لا تختلف صلاة التراويح في الأداء والمفهوم العام عن صلاة التهجد. كلاهما سنة، أو عبادة وتضرع لله سبحانه وتعالى، غير مقيدة العدد، وتخضع للقاعدة العامة لأداء الفريضة، وهي بتوفيق الله تعالى.
الفرق بينهما، أن الأولى اعتاد الناس على أداءها جماعة في المسجد بعد صلاة العشاء في رمضان فقط، ووسموها بمسمى اصطلاحي (التراويح) والثانية اعتاد الناس على إقامتها أو أدائها في الثلث الأخير من الليل جماعة في العشر الأواخر من رمضان بالمساجد مع القليل من الاطالة.
ويمكن أن يصلي من -يوفقه الله سبحانه وتعالى- صلاة التهجد في جماعة بأهله أو فراداً في المنزل في بقية ليالي العام أيضاً.
[1] القراءة جهرية لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها في الصحيحين “جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته”.
[2] اختفاء الضوء الجزئي او الكلي يعتبر خسوفاً أو كسوفاً بحسب الحالة.
[3] وردت عنه تفاصيل وصور واضحة بصحيفة الجزيرة في 25/5/2021م كذلك راجع صحيفة العربية نت 11 مارس 2025م
[4] غالباً يوجد انموذج لذلك الدعاء في أغلب المصاحف، كذلك توجد معلومات كثيرة مفيدة عن السورة، مثل مصحف مكة لمكرمة المرفق صورته
[5] الوقت لزمني بين صلاتي المغرب والعشاء (90) دقيقة، أي ساعة ونصف يمكن بعدها أداء صلاة العشاء في أي ليلية من العام.
[6] الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري
[7] رواه مسلم في صحيحه. وقد وردت عدة روايات عن كيفيتها، وكلها جائزة.
[8] ورد في عددها عدة روايات، وأياً كان العدد فهي جائزة بإذن الله تعالى.