إبراهيم بن حسين جستنيه

خلجات أفكار

خلجات أفكار

كتبت في مقال سابق عن سلوك الشباب للجنسين وأشرت لفتح باب الحوار معه , كما طرحت فكرة إعداد استبيان لثلاث مراحل حسب تصوري , وهو طبعا قابل للتطوير والنقاش بما يحقق الهدف المنشود , وكتبت في مقال ثان نشر في مجلة التجارة أيضا التي تصدرها غرفة مكة المكرمة بعنوان [ الشباب … أحلام … أم أوهام …] , وفي مقال ثالث نشر أيضا في مجلة غرفة مكة المكرمة بعنوان [ الخريجون والخريجات … إلى أين…] .
واليوم أسطر خلجات أفكاري المتواضعة بين أيديكم في صيغة استبيان متعدد الجوانب, ومتضمن للعديد من أنواع الأسئلة الخاصة والعامة , العميقة منها والسطحية ظاهريا , مساهمة بسيطة أرجو قبولها دون تطفل منى على ذوي الاختصاص , وإنما هي المشورة والرأي طمعا في المشاركة لكسب الثواب ليس إلا , ولما دار بخاطري من نقاط توضيحية لكل من يشارك في هذا الاستبيان وهي:
1- أكتب ما لديك من آراء ومقترحات وطموحات في صفحات إضافية , وكذلك إذا لم يتسع المكان لأي فقرة وردت بالاستبيان , وأذكر رقمها في الصفحة الإضافية وأكتب كل ما لديك دون خجل أو وجل أو خوف وأرسله مباشرة بالفاكس أو البريد الإلكتروني أو المسجل أو سلمه مناولة للجهة المسئولة عن متابعته واستخلاص النتائج منه بعد برمجته في الكمبيوتر لتسهيل عملية الفرز , والتي تحددها الجهة التي ستتبنى هذا الأمر لرعايته وولادته وتربيته كما ينبغي. 2. يمكن تعميم الاستبيان بعد تصفيته وإضافة أو حذف ما يلزم لتحقيق الهدف منه , على أن يملأ كل مستوى دراسي ما يخصه , أو تجزئة الاستبيان لثلاث مستويات كما أشرت سابقا , وهذا ما لا أفضله بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من الأفكار والآراء , فقد تردنا فكرة أو رأي من حيث لا نفكر, نطوره ونهذبه ليكون ثمرة يانعة أو بذرة صالحة , والرأي للمختصين. 3. أرى أن يتم توزيع الاستبيان عن طريق المدرسة والجامعة على عينات من الطلبة والطالبات بعد تأهيلهم لمساعدتهم على تعبئته , وتوزيعه في الأسواق مع بعض إرشادات طريقة التعبئة , للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والاقتراحات , ومراعاة تأنيث الكلمات اللازمة وتصحيح إعرابها عند طباعتها لتوزيعها على الإناث .
4. أرى أن يوزع الاستبيان في العديد من المدن وعينات من القرى على مستوى المملكة للجنسين عن طريق الجهات المختصة والتي ستتبنى الفرز والرعاية والتنفيذ أو ستساهم في التنفيذ .

تبعا لم ذكرته سلفا , أطرح هذا الاستبيان للمرة الثانية – والذي لا يزال يؤرق مضجعي , ويحير أفكاري , ويقلب الموازين , يدور بخاطري كفكرة قابلة للتطوير والموائمة بما يتوافق مع المبادئ الشرعية والأعراف الاجتماعية والبيئة الإسلامية – ليساهم فيه كل من يرغب على اختلاف الطبقات ومن كل المستويات الثقافية والفكرية والعلمية والتعليمية والتربوية والنفسية والأخصائيون من القطاعين الخاص والعام ذكورا وإناثا , يوزع في المدارس والجامعات ولمختلف القطاعات بنين وبنات , بعد تأهيلهم لتعبئته دون خوف أو ضغط أو تهديد أو وعيد , لنفهم من تلك الاستبانات مشاكل الشباب وآلامه وطموحاته وأحلامه وأهدافه ومتطلباته وغيرها على اختلاف أعمارهم وأهوائهم وأفكارهم وما بقي من طموحاتهم وأحلامهم وآمالهم إن كانت لا تزال حية, وكلى أمل ويقين أن تجد الفكرة طريقها للقلوب الصادقة , والنفوس المخلصة , والعقول النيرة , والآباء الحالمون بجيل صالح لخلف صالح , وثمرة يانعة من شجرة طيبة , أصلها هو وفرعها أبناءه وأحفاده .

أعتذر لجميع الإخوة التربويين ولذوي الاختصاص على تطفلي هذا إن اعتبروه كذلك , وهو ليس سوى مساهمة أو مشاركة بأحاسيسي كأب ومواطن ومسلم , يسعى لجعل مجتمعه الأفضل ما أمكن والأقرب للصواب ما استطاع إلى ذلك سبيلا , وأسأل الله العلي القدير أن يوفق المسئولين – وكلنا مسئول في موقعه – ومجلس الشورى الذي تقع الأمانة العظمى على كاهله لدعم هذه الفكرة وتطويرها وتحديد الجهات التي ستتولى مسئولية الإعداد والإخراج والتنفيذ واعتماد المبالغ اللازمة لذلك , والمخلصين لتبني هذا الأمر ورعايته حق الرعاية ليكون ثمرة يانعة من جنة طيبة ينطبق عليها قوله تعالى [ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله 00الآية ] .

نُشر بتاريخ سبتمبر 1, 2009

رفقاً بالقوارير

رفقا بالقوارير

رفقا بالقوارير , توجيه نبوي شريف , أوصيكم بالنساء خيرا , توصية طيبة مباركة , وحث ووصاية لحسن الرعاية والتوجيه من خير البرية عليه أفضل الصلاة وأجل السلام , للجنس اللطيف , والنصف الآخـر من المجتمع , رغم حنانه الذي يُرضع , وحنيته التي تجمع , وجماله الخَلقي والخُلقي , وتجميله للكون بوجوده , ودلاله الذي يغرس العطف في القلوب , وتدليله الذي يبعث الحياة للنفوس .
تلك هي مقتطفات من توجيهات وتعاليم الدين الحنيف لرعاية وحسن الوصاية والتوجيه للمرأة الأم والأخت والزوجة والابنة , والمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير نموذج يحتذى به حين عالج تصرف السيدة عائشة رضي الله عنهما عندما تعمدت كسر القصعة غيرة منها , دون أن ينهرها أو يثور في وجهها أو يقيم الدنيا ولا يقعدها , كما يعمل معظمنا لأتفه الأسباب وأقل الأفعال , بل برر لها غيرتها أمام الصحابة رضي الله عنهم جميعا عندما رأي علامات التعجب والدهشة على وجوههم , فقال عليه أفضل الصلاة والسلام بما معناه [ غارت أمكم عائشة ] , فانفرجت أسارير الصحابة رضوان الله عليهم جميعا .
لقد أوجد الله سبحانه وتعالى العاطفة والرقة والحنان والعطف والحب والتضحية والتسامح , ووضعها في هذا المخلوق الناعم الملمس , والمرهف الأحاسيس , والمليء بالحنان , والفيـاض بالدفء , والكثير التسامح نسبة لنا الذكور , ووضع قواعد التعامل بينها وبين الرجل , ورسم طريق سلوكها , وأوضح مجال طهارتها , وحدد منهج عفتها , وذكر حقوقها , وبين واجباتها , وما دون ذلك خروج وجحود , وتجن وضياع .
إن معظم المجتمع الغربي- وهذا عن واقع عايشته من خلال رحلاتي العديدة على مر السنين- يتمنى أن يعيد للمرأة ولو جزءا يسيرا من كرامتها , ويشعر بأنوثتها , وينعم بدفئها , ويتمتع بشيء من حنانها , بعد أن أفقدها كل شيء جميل فيهـا , واغتصب كل بسمة صادقة يمكن أن ترتسم على محياها , واستباح عفتها , واستهان كرامتها , وجعلها سلعة رخيصة , وتجارة رابحة دنيويا , سهلة التداول لتحقيق الغايات والوصول للأهداف , دون رحمة أو شفقة , أو عفة وكرامة .
المرأة المسلمة والمؤمنة بعدل الله سبحانه وتعالى تدرك تماما أن الهدف الأساسي من كل ما ينسج لها من خيوط في شكل حرير , ما هي شباك من حديد , وما يبنى لها من آمال ليست سوى أوهام , وما يكتب لها من تشجيع ليس سوى تطبيل , وما يرسم لها ما هو إلا خيال , وما يقال لها سراب من خلفه سراب , وظلمات بعضها فوق بعض , وهي المسكينة مندفعة بعاطفتها , متجاوبة بأحاسيسها , إن استجابت فهي تسير بمحض إرادتها في ظلام دامس نحو الهاوية , فالحذر الحذر يا أمي وأختي وزوجتي وابنتي وحفيدتي , من كل ما يحاك حولك , ويصور لك في الظلام , وستذكرين قولي هذا يوما ما وتندمين حين لا ينفع الندم .
تأكدي يا أختاه، أنني لست ضدك ولا متحيزاً، أو كما يقول البعض من بقايا العصور الوسطي، ولكن صدقي أو لا تصدقي , فهي تعاليم الدين الحنيف , ومنهج الصراط المستقيم , وحنكة الحياة القاسية , ومرارة الظروف الصعبة , وتجارب الزمان المتلاحقة , ولك أن تعي وتدركي , وتتبصري لتبصري, وتتروي قبل أن تحكمي , حتى لا تظلمي فلا تظلمي .
جمالك في حيائك لا في سفورك , وحنانك في عطفك لا في قسوتك , وخجلك في أنوثتك لا في بجاحتك , ودورك محفوظ , وفضلك معروف , فلا تغرنك الحياة الدنيا , ولا يضلنك المضللون , ولا تشمتين فيك الحاقدون .
أمي وأختي وزوجتي وابنتي وحفيدتي , يشهد الله عز وجل أنني معك قلبا وقالبا , جسدا وروحا , رفيقا ومرافقا أمينا مخلصا , ما دمت تسيرين في إطار المنهج الإسلامي , نسير معا في مركب واحد , نصارع الأمواج , ونشق أعماق المحيطات , نسارر النجوم , ونحاكى البدر , نخفف من الهموم , ونناجي الغيوم , ونهمس بالعيون .
هذه هي الحياة , هموم وأشجان , وأحلام وأحزان , وماض وحاضر , ومستقبل بيد الرحمن , وآمال جسام , وأحلام عظام , فهل تمدين يدك نتعاهد على الكتاب المبين , ونسير معا في أمن وأمان , لنرعى أبناءنا حق الرعاية , ونعلمهم محبة الله , ومحبة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وآل البيت , وحسن الخلق , واحترام الكبير، وحب النديد، والعطف على الصغير, فنحمي أجيالنا، ونحقق أهدافنا , ونبني وطننا , ونعيد أمجادنا.
لقد أثبتت المرأة المعاصرة – كما سبق وان أثبتت جدتها من قبل – مدي صبرها وجدارتها , وإمكانية الاعتماد على قدراتها وخبراتها وكفاءاتها المتعددة , وحسن شخصيتها , فيما أنيط بها من مناصب قيادية محلية وقطرية ودولية , ضمن الإطار الشرعي العام , فبقيت مفخرة للمسلمين , وشوكة للحاسدين , وهما على الحاقدين .
عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه [لا ترغموا أبناءكم على عاداتكم , فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ] . علينا أن نعتبر بهذا , وأن يكون منهجا لنا في مختلف أوجه حياتنا، إذ لم يعد الزمان ملائما للتفرد بالرأي , والأمر والنهي , وصم الآذان عما يقال في الصحف والمجلات الدولية, وطمس العيون عما يرى على الشاشات الفضائية , والتحسر على الماضي بحاضر أكثر انفتاحية , وأقرب للإباحية .
لقد تكون الوعي الحسي لدى الجيل الحاضر لالتقاط كل ما يقابله من غث وثمين , والقناعة الداخلية الكامنة – وعلينا كآباء ومربين ومسئولين – كل من واقع مسؤوليته – أن ندرك هذا بكل أحاسيسنا ونتعامل معه بمنتهى الحذر – وللقارئ والسامع والمشاهد حرية الاختيار وفقا لما نشأ عليه في البيت والمدرسة والمجتمع وهم أساس البناء , أو أدركه بأحاسيسه , أو لمسه من حال واقعه , أو بما تعلمه في سره , وليس لما يفرض عليه , أو يمنع منه , أو يجبر عليه .
لابد أن يكون هناك رأي آخر, وإن خالف رأينا, ومناقش أوسع علما, وأكثر إدراكا, ومتحدث أكثر براعة وخبرة , وكثير من المستمعين بقلوبهم , دون حرج أو حساسية , لنخرج بنتيجة مرضية , وقناعة صادقة , وخطوات ثابتة , قبل أن ندفع بأنفسنا للتهلكة .
علينا أن نتذكر قول الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام في أسس اختيار الزوج (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجيه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم في أسس اختيار الزوجة (تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري.
كيف يتسنى لنا إيجاد جيل مسلم مثقف إذا لم نأخذ بهذه القواعد الأساسية وننشئ الأب والأم على ذلك ! ومن سيرعاه ويحتضنه ليواجه التيارات المتعددة إذا لم نهيئ له الأرضية الصالحة ! أبالخادمات , والسائقين , والعمالة السائبة , ينشئ جيل يرعى الحقوق , ويحفظ الواجبات , ونزيلا في المهمات، وقادراً على تحمل المسئوليات !!!
قال العرب في الشعر:
الأم مدرسة إن أعددتها أعد # دت شعبا طيب الأعراق
إنني أرى أن تتبني إدارة الحوار الوطني مثلا – أو أي جهة أخرى – ضرورة طباعة وتوزيع تفاصيل حقوق وواجبات المرأة وفقا للمنهج الإسلامي , مع شرح مدى حاجة الأسرة والمجتمع للأم الحنون , والقلب الرحيم , والأسرة المتماسكة , والمجتمع المترابط , خاصة في ظل الأمواج التي تتقاذفنا , والرياح العاتية التي تهب علينا من كل جانب , وطرح استبانة شبيهة بالمرفقة، توزع على الأم والأخت والزوجة والابنة والحفيدة , ولا يمنع ذلك من تعبئتها للاستبانه المشار إليه في مقالي السابق بعنوان [ خلجات أفكار ] وما سبقها حول الموضوع , لمعرفة ما تريده حقاً المرأة أو بمعنى أدق كل فئة منهن, وما تتمناه فعلا , قولا وعملا , لا حديثا ومقالات , ومناقشات بيزنطية , ومهاترات صحفية , لا تجني من وراءها إلا هدر الجهد والمال والأوقات , وفقد العزة والكرامة, وربما البيت أو الأسرة، والمقابل … لا شيء يذكر أو يترجم على أرض الواقع !!
تحدثت في أربع مقالات سابقة عن هموم عظام , وأشجان جسام , تثقل كاهل الجيل المعاصر بجنسيه , وطرحت استبانه, حبذا لو حاول كل الإجابة عليها وإرسالها دون اسم إذا لم يرغب ذكر اسمه، أو مقارنتها بحاله وما ينبغي , ليعرف أين هو من الحال.
وطرحت في مقال آخر جانبا من هموم سيدات الأعمال ونظام السجل التجاري , وقد وجدت هذه الأطروحة تجاوبا مشكورا من قبل وزارة التجارة والصناعة . أرجو أن يستمر هذا التفاعل لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين بجنسية والمقيمين أيضا .
اليوم أُعيد تستطير مقالي عن المرأة بكل ما تحمله الكلمة من معانيها المرهفة الجميلة, وأخصها بهذه الاستبانة، مع بعض التعديلات بحكم عامل الزمن، فقط مضى حوالي خمس سنوات على نشره أول مرة في مجلة الغرفة التجارية بمكة، والإيجابيات لا تزال ضئيلة جداً، لكنها تبعث بصيص أمل, أرجو أن تحرص على الإجابة عليها بكل أمانة وصدق , لتتمكن من إيجاد حل لها , بدلا من العمل كالنعامة.
النموذج : مقترح لإستبانة حول المرأة وهمومها ومتطلباتها وأحلامها .
إعداد : المهندس الاستشاري والمحكم الدولي / إبراهيم حسين محمد سعيد جستنيه

نُشر بتاريخ سبتمبر 1, 2009

إتقان الوسائل البديلة

يشهد العالم المعاصر الكثير من التغيرات والتطورات المتسارعة العلمية والعلمية والتطبيقية في شتى المجالات والتخصصات دون توقف أو تمهل أو انتظار المتخلف ليلحق بالركب بعد أن انفتح العالم على ساحة كبيرة وسماء واسعة ، وأفق بعيد ، غير قادر على إدراك مضمونه ، أو مدرك لمفهومه .
فبناء الإنسان هو الثمرة الحقيقية للوجود بعزة وكرامة ، فإذا لم نستفيد من الخبرات والكفاءات الوطنية الموجودة لدينا ، فقدناها وفقدنا مستقبل أبناءنا ووطننا ، وزدنا تأخراً ، وقلة علم، وعدم معرفة.
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في شتي الأمور ، تتولد لها ردود فعل إيجابية كثيرة ، يجب أن نواصل السعي نحو تنميتها واستثمارها ، كما تظهر لها ردود فعل أخرى عكسية سلبية ، وهو شيء طبيعي ، نحرص على تداركه وتلافيه حرصا على عدم اتساع سلبياته .
بدأ تصحيح المسار ، وتواجدت بعض الآذان الصاغية ، وإن أطرقت طويلاً ، وانفتح باب الحوار البناء ، وأخذت الأقلام تسطر الحقائق وتشرح الوقائع ، وتناقش وتطالب بالحساب والعقاب والمكافأة والتقدير .
أخذت البعثات العلمية في الانطلاق كأول خطوة نحو تعديل خط السير للاتجاه السليم ، بالرغم من العقبات التي تعترض مسيرتها ، والأخطاء التي لم تعالج أسبابها ومسبباتها ، ووضعت بعض القواعد العريضة لمستقبل اقتصادي واجتماعي طويل الأجل ، ورُسمت بعض الخطط لمراحل متنامية الأطراف ، راسية القواعد ، خاصة بعد أن أصبحت الهندسة تشكل الجزء الأكبر والأهم في مسيرة حيانتا الخاصة والعامة .
من أهم الجوانب الإيجابية لتلك التطورات المختلفة هو العودة ل ” الوسائل البديلة لحل الخلافات قبل القضاء” والأكثر انتشاراً وقبولاً – بأسلوب علمي ومنطقي وشرعي وقانوني ، فرضته الظروف ، وأوجبه الواقع ، وتستدعيه التطورات والتقلبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمحافظة على البقاء جنباً إلى جنب مع الآخرين – مثل :
1 – التفاوض : وهو عملية نقاش مباشر بين أطراف النزاع دون وجود أي طرف خارجي .
2 – الصلح (الوساطة) : عملية تدخل وسيط بين أطراف النزاع .
3 – التقييم الحيادي المبكر : عملية مشتركة بين الاستشارة والوساطة المبكرة .
4 – التوفيق : هو عملية تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة .
5 – التحكيم الاقتصادي أو الهندسي أو الفني : هو عملية اختيار أطراف النزاع لطرف آخر يحكم بينهم في ذلك النزاع .
6 – التحكيم المفوض .

أما أهم الجوانب السلبية الناتجة عن هذه التطورات فهو كثرة المنازعات ، واختلاف أنواعها وأشكالها ، وظروفها وحالاتها ، مما عرقل عمل القضاة ، وأجل الفصل لسنوات عديدة فيها ، فازدادت البغضاء ، وعمت الشحناء ، وهُجرت رؤوس الأموال .
يتم اللجوء لإحدى تلك الوسائل نتيجة لخلاف أو نزاع نشأ أو قد ينشأ بين الأطراف يستوجب معه ضرورة وجود من يستملك السلطة لحسم هذا الخلاف وفصل النزاع .
لذا ؛ علينا أن نستعد ونعد أنفسنا لاستقبال ما ستلده الأيام أو السنوات القادمة بعصر العلم ، وعالم العولمة ، وقواعد عدم مساواة إلا بقوة العلم وسلاح المعرفة ، وفلسفة الحجة ، وأن ندرب أنفسنا وجيلنا الحالي ليكون أهلاً لتحمل المسؤولية ، وأقدر على التعايش مع عالم العولمة ، ونشر ثقافة البحث والتعلم ، وتدعيم ” إتقان ثقافة الوسائل البديلة لحل الخلافات قبل القضاء” في الكثير من الأمور للوصول للحلول العلمية والعملية القابلة للتطبيق بالطرق الصحيحة ، وليس بأسلوب لوي الذراع أو مبدأ القوة ، وقانون الغابة .
في لمحة سريعة للإحصائيات البيانية الصادرة عن وزارة العدل السعودية والتي نُمثلها بتلك الرسومات ، يتضح لنا منها الكم الهائل لحجم القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية فقط خلال الأعوام 22- 1425هـ في المملكة ، ونسبة عدد القضايا الحقوقية التي يمكن لهذه الوسائل البديلة من حلها – لمن أراد ، وما أكثرهم – والنسبة الكبيرة للقضايا الحقوقية التي لم تنظر بعد ، وتليها المنقوضة ، وما يترتب على ذلك من أضرار عديدة وجسيمة للمتنازعين ، مع زيادة الأعباء القضائية والتي لا يمكن التغلب عليها بزيادة عدد القضاة فقط كما يعتقد البعض ، لأن القاضي الجديد في أمس الحاجة لسنوات عديدة من التدريب مع قاض سابق لاكتساب الخبرة والمرونة قبل أن يُعهد إليه بممارسة القضاء والنظر في النزاعات والقضايا المختلفة ، وهو للأسف غير مطبق في كثير من المواقع ، مما أبرز نوعاً آخر من المشاكل وترك خلفيات سلبية عديدة ، حيث أن متوسط ما يجب على كل قاض أن ينجزه كقضية كاملة من القضايا المختلفة المعروضة عليه ويصدر فيها حكمه النهائي خلال نصف ساعة (30دقيقة) من كل يوم عمل ، وهذا طبعاً من المستحيلات ، فكانت النتيجة ما يحدث .
لذا يجب إفساح المجال أمام القضاة للنظر في القضايا الأهم والأصعب ، وإعطاءهم مزيداً من الوقت لدراستها بشكل أفضل وإصدار الأحكام الشرعية السليمة فيها بدلا من بذل الوقت والجهد فيها، ثم عودتها من التمييز بعدم التصديق ، وبالتالي تبدأ من الصفر مرة أخرى ، بينما كان بالإمكان حلها ب ” الوسائل البديلة ” لمن أراد ، وتوفير الكثير .
أما حجم القضايا الحقوقية المنظورة أما ديوان المظالم فلم نتمكن من الحصول على معلومات موثقة عنها رغم ندبي كخبير من قبل الديوان لإعداد بعض التقارير الفنية لبعض منها ، وأحد المحكمين والخبراء المعتمدين بوزارة العدل والجهات الدولية .

تفاصيل كثيرة ذكرت في مصنف ” الوسائل البديلة لحل الخلافات قبل القضاء ” لأكثر الوسائل انتشاراً ، وأقربها للقبول والتطبيق ، مع بعض التوسع في باب التحكيم ، والتحكيم المفوض بشكل عام، وطرق الاختيار وغيرها ، والإشارة لأنظمة وقوانين التحكيم وطرق الإجراءات والخطوات الواجب إتباعها لكل منهم بحسب الحالة والظروف ، وكلها جائزة فيما أجازه الشرع الحنيف ، ابتداء من الأمور الخاصة والشخصية الأسرية وحتى الأمور التعاقدية التجارية بكافة أنواعها ، والعقارية ، والزراعية ، والهندسية ، والفنية وغيرها.
تعتبر” موسوعة القضاء والتحكيم ” إحدى الموسوعات النادرة في المكتبة العربية والمتخصصة في هذا المجال بشيء من الدقة والتفاصيل ، وهي متوفرة للبيع لدى المكتبات أو المؤلف مباشرة ، ومرفق نشرة لما صدر من مجلداتها .
نرى أن نحرص على المزيد من الاستعداد لبناء جيل جديد متفهم لمعنى الوسائل البديلة ، وقادر على مواكبة التطورات الحضارية ، ومسايرة الأوضاع الاقتصادية الحالية والمستقبلية ، وفاهم حقيقة معنى العولمة وما ستفرضه علينا إن لم نتدارك الأمر ، وأن تتبني الهيئة السعودية للمهندسين وضع خطة تدريب منتظمة ومنظمة ( لكورسات) لدورات في ” الوسائل البديلة لحل الخلافات قبل القضاء ” ، وليست ندوات ومنتديات متقطعة وغير متسلسلة المعلومات كما يحدث حالياً ، وأن يتم التعاون مع بقية الجمعيات المهنية الأخرى ، خاصة مع توفر عدد جيد ممن أصبحوا ذا باع طويل من المواطنين المتخصصين والفنيين في هذا المجال ، ولا يمنع من الاستفادة من خبرة الإخوة العرب وغيرهم في هذا المجال ، والتنسيق مع الجامعات لتدريسها كمادة مستقلة للراغبين في الكليات وفق منهج دراسي متكامل سليم ، وألا تقل درجة التحصيل في كل جزء منه عن جيد مرتفع ليتمكن الدارس من مواصلة المرحلة التي تليه وهكذا ، وتنظيم تدريبهم مع الممارسين في هذا المجال لفترة تختلف بحسب التخصص قبل أن يسمح له بممارسة التحكيم منفرداً ، والمجال مفتوح لمزيد من المقترحات البناءة .

نُشر بتاريخ سبتمبر 1, 2009